أحداث عديدة تحتاج إلي التنسيق والتشاور، بين مصر والسعودية، استقبال وفد من حزب المؤتمر الشعبي اليمني، وإقامة معرض لجماعة أنصار الله في القاهرة، وزيارة خالد مشعل للمملكة.


أتفق وأختلف مع تصريحات وزير الخارجية سامح شكري الأخيرة، والتي أدلي بها الأسبوع الماضي، عندما قال «إن هناك من يلح، علي إيجاد أزمة في العلاقات بين مصر والسعودية». التوصيف والرصد صحيح وفي محله، ولكن اختلافي مع الوزير، في فهم العديد من الرسائل الخاطئة، التي تخرج من بعض المؤسسات، وبعضها يتسم تحركاتها بالدقة الشديدة، ومنها وزارة الخارجية ذاتها، يمكن أن تمثل مؤشرات علي أن ثمة تغييرا في السياسية الخارجية المصرية، تجاه بعض القضايا، ومنها الأزمة اليمنية، حيث شهدت الأيام الأخيرة، أحداثا يصعب فهمها علي المراقبين، ونتوقف عند حدثين مهمين :
الأول: استقبال مساعد وزير الخارجية المصري للشئون العربية، السفير عبد الرحمن صلاح لوفد من قيادات حزب المؤتمر الشعبي، الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والذي أصدر بيانا عن نتائج الاجتماع، أشار إلي أنه تم ـ ولاحظ التعبيرات ـ استعرض نتائج العدوان والحصار الجائر، الذي يتعرض له اليمن، وما نتج عنه من مآس وقتل وتدمير، ورحب الطرفان بإيقاف العدوان، ورفع الحصار الجائر، وإعادة الحياة للعملية السلمية.
الثاني: وهو الأخطر، عندما كشف علي البخيتي أحد قيادات جماعة أنصار الله الحوثية، عن نجاحها في إقامة معرض في ساقية الصاوي، تحت عنوان «أوقفوا العدوان علي اليمن» يهدف كما قال القائمون علي المعرض، ما أسماه « فضح العدوان السعودي علي اليمن، وكسر الحصار الإعلامي المفروض علي ذلك العدوان، وتم خلاله توزيع نسخ من تقارير، صادرة عن منظمات حقوقية تمولها إيران، تضمن توثيقا لما أسماه موقع جماعة أنصار الله العدوان السعودي علي اليمن.
وقد أثار الحدثان الاستقبال والمعرض ردود فعل ضخمة وآثارا تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا التحرك وتوقيته ومغزاه وهل يمثل تغييرا في مواقف مصر من الأزمة اليمنية كجزء من أزمة مكتومة في العلاقات بين القاهرة والرياض، خاصة وأننا مازلنا جزءا من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ووصف ما يجري في اليمن من عملية عاصفة الحزم، أو إعادة الأمل بأنه عدوان، يعني تلقائيا أن مصر تدين نفسها، فهي ركن أصيل في ذلك التحالف، ولهذا كان تحرك القاهرة سريعا، وعلي لسان المتحدث الرسمي السفير بدر عبد العاطي، الذي أصدر بيانا وصف فيه الحديث عن تغيير مصر لموقفها من الوضع في اليمن، بأنها شائعات كاذبة، وجدد التأكيد علي دعم مصر المطلق والكامل، للشرعية في اليمن المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتأكيد علي التنسيق الكامل والمستمر والوثيق، بين مصر ودول التحالف الداعم للشرعية، وبصفة خاصة السعودية. وانتقد أي محاولات للوقيعة، بترويج أخبار كاذبة، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استضافت القاهرة أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا بين مصر واليمن، علي مستوي رئيسي وزراء البلدين، وتم التوقيع علي عدد من اتفاقيات التعاون الأمني، وفي العديد من المجالات، في رساله دعم للحكومه اليمنية، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها، وممارستها عملها من الرياض.
وعلي نفس المنوال ولكن في الجانب الآخر، وزاد من تأثير الرسائل الخاطئة، أنها توافقت مع استقبال السعودية لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، بعد انقطاع دام لسنوات، ولم تقتصر الزيارة علي أداء مناسك العمرة، بل اتخذت بعدا سياسيا بعد لقاء مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الزيارة يمكن فهمها في إطار رغبة السعودية، لترتيب أوضاع المنطقة بعد الاتفاق النووي بين إيران والغرب، والسعي إلي تكوين تكتل سني، ولكنها قد تشكل تساؤلا من القاهرة يحتاج إلي إجابة رغم أنها تمت بعد التغييرات المهمة، في العلاقات المصرية مع حماس في الأونة الأخيرة، والتي أصبحت مختلفة بصورة أو أخري، عما كانت عليه من عامين، بعد رفض القضاء المصري اعتبارها حركه إرهابية، والحديث عن تنسيق وتعاون أمني، والتزامات واضحة ومحددة بعدم التدخل في الشأن المصري.
ولعل كل تلك الأحداث، يمكن أن تمثل أدوات لمن يريد «الصيد في الماء العكر»، في العلاقات بين البلدين، وأمامنا فرصة ذهبية، لتجاوز الفهم الخاطئ لتلك التحركات بل والسعي إلي تمتينها من خلال الاتفاق علي آليات للتعامل في القضايا التي تهم كلا منهما، من خلال الإقرار بأولويات ودوائر تمس الأمن القومي للبلدين، مثل اليمن بالنسبة للسعودية، أو حماس وليبيا بالنسبة لمصر، والتي تصبح قلبا وقالبا مع السعودية فيما يخص الأزمة اليمنية، وننتظر من الرياض نفس الموقف الداعم لمصر، فيما يخص قضايا الجوار مع مصر، كما أنه من الضروري أن يتم التنسيق في أي تحرك منفرد مسبقا، وإبلاغ الطرف الثاني بنتائج ذلك التحرك، الذي لن يتناقض أبدا مع مصالح الدولة الشقيقة، ومن ذلك إذا سعت أي منهما للعب دور الوساطة مثلا، فالتنسيق المسبق، يمنع أي أطراف من محاولة خلق أي توترات، في العلاقات المصرية السعودية.