‎من قبل ومن بعد ودائما، كنت مقتنعة بعبارة بريخت ( أنها لجريمة أن تتحدث عن الأزهار الجميلة، حين يكون هناك بشر يقتلون )..لكني أيضا أتساءل عن نوع الحياة، التي لن أستطيع فيها في أي يوم، الاستمتاع بالأزهار ولا بالجمال، في زمن لا يميزه سوي قتل البشر ؟! ‎ علقت ابنة أخي (طالبة الفلسفة) علي مقالي أمس، مستنكرة حجم الأسي الذي عبرت عنه، بسبب إزالة ( مترو مصر الجديدة) قالت: (تبدين أمام القاريْ »فافي»‬ جدا، تقصد مرفهة، وكأنك في عالم غير العالم، حكاية المترو والذكريات والأشجار رفاهية شديدة جدا، كلامك عن الجمال رفاهية لم يعد يحتملها الواقع ) !! ‎الفتاة الصغيرة تتكلم بلسان بريخت، هناك بشر يقتلون في كل يوم، الدماء في الشوارع، والرءوس المذبوحة مانشيتات الصحف، ودماء القتلي هي المشهد اليومي علي شاشات التليفزيون.. ليس بإمكاننا القفز علي مايحدث، وإنها لجريمة محاولة الخروج من تلك الدوائر الجهنمية، وتجاهلها !! ‎لكن أيضا علينا أن نعترف، أن هناك جريمة أخري تصنعها تلك الدوائر فينا.. أنها تذبح إنسانيتنا، وتبدد عذوبتنا ومشاعرنا.. العنف صار لغة اعتيادية، الدم لم يعد يثير الانتباه، والقتل صار جزءاً من حياتنا اليومية، نتابعه ونحن نتناول العشاء، بهدوء أمام شاشة التليفزيون. ‎إنها لجريمة محاولات الهروب، وإغماض العين عن دوائر الدم والقتل والعنف، ويكون الأسي بسبب قطع شجرة، أو سماع أغنية حزينة أو مبهجة، أو هدم بيت قديم، وافتقاد جزء من ذاكرتك البصرية والجمالية، مدعاة للدهشة والاستنكار..؟ ‎هل فقدنا إنسانيتنا إلي هذا الحد ؟ ‎ وفقدنا عذوبتنا إلي هذا الحد ؟ ‎حقا هناك بشر يقتلون..لكن هناك أيضا أشياء جميلة، ينبغي أن تظل جميلة، الأشجار تظل أشجارا، والضحكات تظل ضحكات، والجمال يمارس حقه الطبيعي فينا، حتي لا تتلاشي عذوبتنا، وتنحدر إنسانيتنا يوما بعد يوم.