«ويصحو الناس علي قدر الله الذي خسف بـ «قارون» وبداره وممتلكاته»

 غريب أمر الناس فهم عند الشدة والمحنة يخلصون الدعاء لله وإذا أعطاهم الله النعمة ادعوا انهم يستحقون هذه النعمة بما لهم من علم ومعرفة وشطارة في كسب المال والجاه والسلطان.. فإذا مرض الانسان نجده يخلص الدعاء لله لكي يزيح عنه المرض ثم اذا تفضل الله وكشف عنه الضر أو البلاء  أو الغني بعد الفقر، نسب هذا الفضل إلي نفسه أو لانه ذهب لطبيب شاطر وإذا اعطاه الله الغني ادعي انه رجل خبير في جلب النعم.. وهذا طبع في الانسان السابق مثل اللاحق فهذا فرعون مصر في زمن موسي يقول «أليس لي ملك مصر»، أم خير من هذا «يقصد موسي» الذي هو مهين ولا يكاد يبين وقال النمرود «أنا أحيي وأميت» أي ان الكفار السابقين عصوا عن أمر ربهم ولم يتعظوا بما اصاب السابقين من الكافرين مثل غرق فرعون وما اصاب قوم عاد وثمود وغيرهم منذ نوح.

ولعل في قصة «قارون» والذي كان من قوم موسي فبغي علي الناس وقد اعطاه الله من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة.. وقال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن إلي الناس كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين ولان قارون كان من الجبارين الفاسدين قال ان أموالي وكنوزي وما أوتيته من نعم هي بسبب ذكائي وعلمي ولم يأخذ عبرة بان من قالوا مثل ما قال اهلكهم الله من قبله رغم انهم كانوا أشد منه قوة وأكثر مالا..

وكان قارون يخرج علي قومه متزينا بالملابس والجاه والسلطان مما جعل الناس الذين يريدون زينة الحياة الدنيا، يقولون يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون يا بخته ويا حظه وقال لهؤلاء الذين اوتو العلم وأعطاهم الله نعمة الرضا بما قسم لهم يا ناس لا تفرحوا بما اوتي قارون لان ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا وصبروا.

 وتمضي الايام ليصحو الناس علي قدر الله الذي خسف بقارون وبداره وممتلكاته ولم يجد له نصيرا من حكم الله وقدرته.. وهنا اصبح الذين تمنوا ان يكونوا يوما مثل قارون ومثل ما يمتلكه من مال وجاه في صدمة وقالوا الحمد لله ان لم نكن مثله أو مكانه وآمنا بأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ولولا ان منَّ الله علينا رزقنا لخسف بنا وأصبحنا من الكافرين.

وهكذا يعطينا الله في سورة القصص العبرة بأن نرضي بما قسمه الله لنا وان نعيش حياتنا الدنيا دون ان نطمع في علو في الارض ولا فساد.. وأن العبرة ليست بكثرة المال والجاه ولا نتطلع بطمع لما في يد غيرنا وان نقدم الحسنات قدر استطاعتنا لان من جاء بالحسنة فله خير منها وان الجائزة الكبري ليست في غني الدنيا إنما فيما اختزنه الله في الآخرة من جنات وكنوز.