كان يوم أمس غير تقليدي في الشكل والمضمون. تحول لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي مع ممثلي المزارعين في عيد الفلاح، من احتفال مراسمي يقتصر علي كلمة يلقيها الرئيس علي الحاضرين في ذكري تدشين الإصلاح الزراعي، إلي حوار غير مرتب ولا معد سلفاً بين الفلاحين والسيسي..إلي جلسة مصارحة بالهموم والشواغل، بالطموحات والآمال، إلي نقاش مودة لا يتغافل عن مشاكل يعرفها الرئيس، ولا يغفل شحذ الهمم واستنهاض العزائم. صارت قاعة »خوفو»‬ كبري قاعات مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات، وكأنها »‬مندرة» في قرية من ريف مصر، تجمع أهل القرية مع ابنها البار الغالي الذي يعرف دقائقها وخلجاتها. قوبل السيسي في اللقاء كبطل شعبي. أكثر منه رئيساً، وعومل كمناط أمل ورجاء، تتطلع إليه الأفئدة. عندما قال له أحد الفلاحين: أنت عنوان مصر.. قال: »‬يارب.. بس أكون عنوان كويس». عندما تحدث آخر عن أن الفلاحين هم نصف سكان مصر.. صحح له الرئيس قائلا: بل نحو ٦٠٪ من عدد السكان ورغم ذلك يساهمون بأقل من ١٤٫٥٪ من الناتج المحلي وهو ما يعبر عن انخفاض مستوي معيشتهم. وعندما تحدث الرئيس عن مشروع استصلاح مليون فدان خلال عام واحد بتكلفة ١٥٠ مليار جنيه، وأوضح أن المشروع يتضمن إنشاء مصانع للمنتجات الزراعية ومرافق وخدمات كالمستشفيات والمدارس وغيرهما، مما يوفر قرابة نصف مليون فرصة عمل لأبناء المزارعين.. قال أحد الحاضرين: منذ أيام الزعيم عبدالناصر، وحتي الآن ، لم يتم استصلاح أكثر من مليوني فدان. أنت بطل لأنك ستستصلح مليون فدان في عام واحد. عندما تكلم السيسي عن محدودي الدخل والوضع الذي يعانيه لأحوال الغلابة، وأشار إلي برنامج إيواء »‬أولادنا أطفال الشوارع»، الذي يعد له منذ شهور، وإلي خطته لمعاونة »‬المرأة المعيلة»، تعالي صوت من القاعة يدعو له: »‬الله يسترك زي ما حتستر الغلابة». *** حين عرض الفلاحون مشاكلهم مع القطن والأرز والدورة الزراعية وحتي المشاكل الخاصة، لم يصد الرئيس أحداً، بل استمع إليهم، وقال:  أنا عارف المشاكل لأني مش بعيد عنكم، لكن المشكلات لا يمكن أن تحل في قعدة.. وأضاف: اسمعوني وحاسبوني بعد سنتين. في بداية اللقاء، أُعلن عن القرارات الجمهورية بالقوانين التي أصدرها الرئيس أمس، بشأن التأمين الصحي علي الفلاحين، ومعاش المزارعين، وصندوق التكافل الزراعي، بجانب جدولة الديون المستحقة لبنك التنمية والائتمان الزراعي.. وضجت القاعة بالتصفيق. أثناء الحوار.. تصاعدت أصوات من القاعة تطالب الرئيس بإرجاء الانتخابات البرلمانية، لكن السيسي حسم الأمر قائلا: إن الانتخابات لن تؤجل، وأننا نحترم الدستور، ولن نهرب من تجربتنا الديمقراطية، وطالب بالحرص علي انتخاب من يستحقون أن يتسلموا مستقبل أبنائنا وأحفادنا.. وضجت القاعة بتصفيق أعلي. في نهاية اللقاء.. قال الرئيس: بلدنا في رقبتنا كلنا مش في رقبتي أنا بس.. وإن شاء الله الأيام القادمة ستكون أفضل، وربنا حيكرمنا بالإخلاص والصبر والأمانة والعمل. *** سنتان فقط هما ما يطلبه الرئيس لتحسين أحوال الناس في الريف والحضر والبوادي. نُحمل السيسي فوق طاقة البشر لو تصورنا أنه سيصلح ما جري تخريبه خلال ٤٠ عاما مضت، في مدة تقل  عن ٤ شهور! مع ذلك استطاع السيسي أن ينجز في ١٠٠ يوم، ما يعجز غيره عن تحقيقه في ١٠٠ شهر! غير مشروع تنمية الساحل الشمالي الذي جري تدشينه، ومشروع شبكة الطرق الهائلة بطول ٣٢٠٠ كيلو متر، الذي جري إطلاقه.. هناك مشروع قناة السويس الجديدة، التي يتم شقها علي أرض سيناء، والمقرر أن ينتهي في غضون ١١ شهراً، ليواكب البدء في المشروع الأكبر وهو تنمية إقليم القناة والانتهاء من مشروع استصلاح المليون فدان. تنطق ملامح السيسي بالسعادة وهو يتحدث بامتنان للشعب الذي أقبل علي شراء شهادات استثمار القناة لتتخطي حصيلتها المبلغ الذي كان مطلوبا وهو ٦٠ مليار جنيه، في مدة ٨ أيام فقط، بينما كانت تقديرات رجال البنوك تتوقع اكتمال الحصيلة في ٣ شهور. لم يفاجأ السيسي بالإقبال الهائل في هذه المدة القصيرة، مثلما لم يفاجأ بالنزول غير المسبوق للشعب يوم ٢٦ يوليو ٢٠١٣، بعد دعوته بأقل من ٤٨ ساعة. يدرس السيسي الآن طرح تمويل مشروع المليون فدان علي الشعب بشهادات استثمار خاصة، ويبدو مطمئنا للنتيجة. الشعب يراهن علي السيسي، والسيسي يراهن علي الشعب، وظني أنهما سيكسبان الرهان!.