سواء تم التوقيع علي النص المعدل للاتفاق النووي، ام لا، فإن ايران لن تتخلي عن دعمها للحكومة السورية، او «الأمم المقموعة» في اليمن والبحرين، والمقاتلين المخلصين في لبنان وسوريا». بهذه الكلمات انهي المرشد الاعلي لإيران علي خامئني، اي محاولات من العواصم الغربية، التي وقعت الاتفاق النووي مع طهران، خاصة أمريكا وإدارة اوباما، لتسويق فكرة ان المنطقة ستكون في سلام او استقرار، او اننا امام ايران مختلفة يسودها الاعتدال، وتسعي إلي الحوار مع الجيران. فهي صادرة من اعلي سلطه دينية في ايران، من مصدر الشرعية، وهو يعلنها علي الملأ، بأن طهران لن تغير سياساتها الإقليمية، ولن تنهي مخططات الهيمنة، وبسط النفوذ علي دول الجوار، ومعظمها عربية. كما انها تتناقض تماماً مع مواقف وتصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، حول رغبة طهران في فتح صفحة جديدة في العلاقات الايرانية العربية، لدرجة ان الاخير بدأ بالفعل، جوله تضم كلا من الكويت وقطر والعراق، وظني ان الأشكالية الكبيرة التي ستواجه الرجل في مباحثاته في الخليج، هي ذلك التناقض، خاصه وان خامئني هو راسم سياسات، والرئيس والوزير فقط منفذان، كما ان ظريف سيكتشف ان اللعبة القديمة، علي وجود تناقضات في مواقف دول الخليج تجاه ايران، لن تثمر هذه المره، فدول الخليج علي قلب رجل واحد، من الشعور بالمخاطر الايرانية في المرحلة القادمة. وقد يفسر ذلك الموقف القوي من البحرين، المدعوم خليجيا وعربيا، ولها كل الحق، والذي كان كانت الأكثر احتجاجا، علي هذا الصلف الإيراني، والتدخل الفج المرفوض شكلا ومضمونا، وتبدو طهران مصرة علي استمرار تدخلها في الشأن البحريني، رغم فشل مشروعها في فبراير ٢٠١١، عندما سعت إلي تنفيذ مخطط إقامة جمهورية في البحرين، علي نهج ولاية الفقيه، باستخدام عناصر معارضة، تلتزم بتنفيذ تعليمات جماعة طهران، وتتحرك وفقا لأجندتها الخاصة، وفشلت المؤامرة بوحدة الشعب في مملكة البحرين، والتفافه حول قيادته، وبالدعم الخليجي الذي وصل إلي الاستعانة بقوات درع الجزيرة، واعتبار ان مملكة البحرين خط أحمر، لايجب الاقتراب منه. وخطورة الامر انه لم يتوقف عند تصريحات المرشد، بل ترافق مع احباط محاولات لتهريب كميات ضخمه من متفجرات شديدة الخطورة، وأسلحة وذخائر عبر البحر، واعتقال اثنين من المشتبه بهما،اعترفا بأن مصدر الشحنة ايران، وأن التسليم تم خارج المياه الإقليمية، وأنهما تلقيا تدريبات علي عمليات ارهابية هناك،وقد اكدت وثائق ومعلومات، ان ايران تفتح معسكرات، لتدريب مجموعات ارهابية، تستهدف النيل من استقرار البحرين، وإيواء هاربين من العدالة.

وظني ان المواقف الايرانية الأخيرة من البحرين، قد عجلت بضرورة ان يكون هناك رؤية واستراتيجية خليجية في المقام الاول، تجاه ايران الجديدة، خاصه بعد حالة الارتباك التي سادت المواقف العربية من الاتفاق النووي، مابين مرحب به، او مترقب لنتائجه، او رافض له دون الارتكان إلي التطمينات الامريكية، التي لم تجد نفعاً، من خلال قمه كامب ديفيد بين اوباما وقادة دول الخليج في مايو الماضي، وهو ماسيحاوله وزير الخارجية جون كيري من جديد، في لقائه المرتقب مع وزراء الخارجية الخليجيين في ٣ اغسطس القادم، ولعله سيقدم تفسيرا للتوجه الذي كشف عنه اوباما في تصريحات اخيرة، له عندما حدد أولويات بلاده، في المفاوضات الماراثونيه، التي انتهت بالتوقيع، وهو منع ايران من امتلاك سلاح نووي دون الاهتمام بفكره تغيير سلوك ايران العدواني، تجاه دول الجوار، او احداث انفراجة بين السنة والشيعة. ولعل المصارحة في هذا اللقاء، قد تفيد في خروجه بنتائج مثمرة، تخفف من حالة القلق التي تسود دول الخليج، من ذلك التنافس غير المسبوق من الدول الغربية، «للحج» إلي طهران، والفوز بجزء من تورتة الاستثمارات الايرانية، وهي بالمليارات، والتي بدأت بمستشار إنجيلا مريكل ووزير الاقتصاد الألماني، والزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي كان أشد المعارضين للاتفاق، وعاد بعد التوقيع إلي الحديث علي انه «لايصح حرمان الشركات الفرنسية من الاستثمار في ايران» كما ان ديفيد كاميرون ابلغ مجلس العموم البريطاني، رغبته في استئناف العلاقات مع ايران، وانه بصدد فتح القنصلية البريطانية في طهران قبل نهاية هذا العام.
ويجب علينا في إطار المصارحه، ان نبدأ بأنفسنا، فالعالم العربي طوال الفترة الماضية لم يتوافق علي آلية او استراتيجيه للتعامل مع ايران، والتي بدأت مشروعها في التدخل في الشئون الداخليه العربيه، منذ فترة ليست قصيرة، وكانت البداية في دعم وإنشاء حزب الله، الذي تم الترحيب به كقوة مقاومة ضد اسرائيل، رغم انه ميلشيا عسكرية، يحاول ان يحل محل الدولة اللبنانية ويتجاوزها، كما ان ذلك المشروع تجسد في العراق بعد العام ٢٠٠٣، بعد سقوط نظام صدام حسين، الذي بدأ بمشاركه علي النفوذ مع واشنطن، والتي سمحت وفقا لاستراتيجية اوباما، في تخفيض الوجود العسكري الامريكي في الخارج، إلي الاستفراد الإيراني بالعراق.
المثل الانجليزي يقول «أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي ابدا»