صدر القانون الجديد في عجالة مريبة كغيره من قوانين حيكت وظهرت بليل دون نقاش مجتمعي كافٍ وفي غياب مجلس نواب يناقش ويعدّل

راحت السكرة وجاءت الفكرة. وأفاق موظفو الدولة علي أكبر عملية احتيال تعرضوا لها طيلة حياتهم الوظيفية تحت اسم قانون «الخدمة المدنية». في البداية تفاءلوا خيراً لأن تطلعاتهم وطموحاتهم ستجد طريقها إلي النور، ستتحقق العدالة الاجتماعية ويختفي الفساد وتعود الرؤوس المتساوية لتتساوي بدلاً من شذوذ بعضها وتسلقه. ينعدل المايل وتقوم القوالب من جديد وتنام الأنصاف كما ينبغي. أخيراً سيصبح لكل مجتهد نصيب بجد.
لكن الواقع المرير يؤكد ان هناك مايقرب من ستة ملايين ونصف مليون موظف يمسهم القانون الجديد بشكل مباشر ويؤثر في حياتهم وحياة أسرهم، كل ما استشعروه من القانون هو ان الحكومة تفلت يدها منهم وتتخلي عنهم، وأنه بعد بضع سنوات لن يكون هناك دولاب حكومي ولا وظائف أو درجات، وبدءاً من الآن لا تشجيع حقيقيا للطموح الدراسي والعلمي، الترقيات مرهونة برضا رئيس العمل او المدير، وإلا فإن تقارير الكفاية الضعيفة في انتظارك، أو التقارير الأمنية بأنك تمارس نشاطاً سياسياً أثناء العمل، الأمر الذي يكرس النفاق والمحسوبية ولا يحاربهما كما يزعم اصحاب القانون. الموظفون لاحظوا أيضاَ انكماشا في معدلات نمو دخولهم بعد ما أخضعت العلاوات للضرائب وتوقف ضمها للمرتب، كذلك لاحظوا تباطؤا في سنوات الترقي وركوناً طويلاً في الدرجة الواحدة.
الموظفون لا يستوعبون لماذا وضع المشرع صاحب القانون رقبة الموظف في قبضة رئيسه دون النص علي ضمانات او معايير لتقييم الموظف تقييماً عادلاً. ولا يفهمون لماذا تقلص الحكومة من مكتسباتهم المالية والإدارية التي كانت منصوصاً عليها في القانون السابق. لم يعودوا يصدقون كلمة راقية ابراهيم في فيلم زينب « اللي مالوش أهل الحكومة أهله» فقد اكتشفوا ان الحكومة التي هي أهلهم تتخلي عنهم بصنعة لطافة.
ظهرت بعض المخاوف وتعالت الاعتراضات لاسيما وقد صدر القانون الجديد وبدأ تطبيقه في عجالة مريبة كغيره من قوانين حيكت وظهرت بليل دون نقاش مجتمعي كافٍ وفي غياب مجلس نواب يناقش ويعدّل وينقّح. هنا لا بد ان تنفتح نار جهنم وتنشأ الاحتجاجات فمن الطبيعي أن يبحث أصحاب المصلحة الذين هم موظفو الدولة عن مصالحهم لكن المشكلة هي ان أحداً من المسئولين لم يكلف نفسه عناء البحث في شكاوي الناس ومدي منطقيتها، أوالاستماع للرأي الآخر من الخبراء الفاهمين مثلهم تماماً وربما أفضل. علي العكس بمجرد ان ظهرت الاحتجاجات ظهر معها قراقوش المتخفي في رداء مستشار وزير التخطيط يتحداهم بتصريحاته أنه لا نية لتعديل او إلغاء بنود من القانون. يعني هو كده واللي مش عاجبه يشرب من البحر.
لو سلمنا بأنه لا توجد ضغوط خارجية علي الحكومة لتنفيذ بعض الإجراءات الإصلاحية المطلوبة في زمن قياسي سيصبح أمامنا أحد خيارين: إما ان نتهم الحكومة بسوء النية وتعمد تكدير المواطنين، أو ان نتهمها بالغشم وعدم الكفاءة ونستخدم في وصفها تعبير الكاتب الراحل يوسف ادريس «فكر الفقر.. وفقر الفكر». الفكر الناتج عن ضيق ذات اليد فكر مخنوق ضيق الأفق يخلق نمطاً من التفكير الفقير الخالي من الإبداع، العاجز عن ابتكار حلول غير تقليدية لمشاكل مزمنة. وسواء كان الحكومة عامدة للتكدير او كانت غير كفؤة فليس من مصلحة أحد علي الإطلاق الإبقاء عليها أو علي العناصر المتسببة في تكدير السلم العام المتسببة في حرمان المواطنين من عنصر الأمان. ببساطة لا مكان لحكومة لا تراعي الشعب.
صباح النعناع
حمداً لله علي نجاة زميلنا العزيز عبد القادر محمد علي من الوعكة الصحية التي ألمت به وعلي عودته إلي بيته «الأخبار» سالماً غانماً وقمراً منيراً في صالة التحرير. عبد القادر أو كما أحب أن أناديه أبو روكا مبتكر شخصية روكا الحرامي في أعماله الساخرة وصاحب الكبسولة اليومية المنعشة «صباح النعناع». حمدا لله عالسلامة يا بو روكا نورت البيت والعقبي لزميلنا العزيز رضا محمود.