يموت آلاف الناس كل يوم، لكنهم لا يبعثون من جديد. يموت زعماء أيضا ولا يبعثون. مات جمال عبد الناصر منذ 44 عاما لكنه بعث من جديد. بعد موته حاولوا القضاء علي سيرته. شوهوا إنجازاته. ساروا علي خطاه بأستيكة. حاولوا دفع الناس لكراهية الاشتراكية. ضللوهم وقالوا إنها اشتراكية الفقر. اشتراكية الطوابير والمعاناة. وصل الأمر إلي تأليف النكت التي منها أن ناصر أكلنا المش !. شوهوا دوره العربي الأفريقي العالمي وقالوا إنه أهدر ثروة مصر علي مغامراته !. مر 41 عاما _ سنة 2011 _ علي موت الزعيم وجاء ناس غير الناس، أجيال غير الأجيال، ناس وأجيال لم تعش في زمن جمال عبد الناصر لكنهم رفعوا صورة ناصر. رددوا شعارات عصر ناصر. عبروا عن حنينهم إلي الاشتراكية التي تبين أنها لم تكن اشتراكية الفقر، لكن كانت اشتراكية الكرامة، اشتراكية العدالة الاجتماعية، اشتراكية حماية الفقراء. من الذي رفع صورة وشعارات ناصر ؟ إنهم الفقراء.. الذين بحثوا عن أب فلم يجدوا غيره، استعادوه.. بعثوه.. أخرجوه إلي الحياة مرة أخري بعدما خبأوه طوال تلك الفترة في قلوبهم.. عاد ناصر وكأنه لم يغب، فصوره في البيوت تطل، يتطلع إليها الشيوخ فيتذكرون أيام مصر المتلألئة، مصر الزعيمة، مصر القيادة، مصر روح العروبة.. ينظر إليه الشباب فيستمدون منها الأمل. الجيل الذي رفع الصور لم يعرف عبد الناصر، لم يعش في زمنه، ربما يكون بعضهم قرأ شذرات عنه، لكنهم لم يستفيدوا من المشروعات الاجتماعية، لم ينعموا بوظيفة مضمونة ومزايا صحية، بل عاشوا زمن البطالة وأزمة المساكن، لكنه رفعوا صورة ناصر يستجيرون به. لم يعد ناصر يملك لأحد شيئا حتي يتملقوه. لم يعد بإمكانه أن يعاقب أو يثيب، لكنه عاد وبعث فكرة وروحا يشتاق إليه الناس حتي من لم يعرفوه أو يعيشوا زمنه. من أحب الشعب أحبه الشعب.