أوساط سياسية عديدة في انتظار قرار القاهرة، باستئناف العلاقات مع دمشق، وعودة السفراء، أرجو ألا يطول ذلك الانتظار !



اكتب من دمشق عاصمة الأمويين، احد قلاع العروبة في المنطقة، وسط اجواء من توقع حل سياسي، للأزمة التي تعيشها سوريا منذ اربع سنوات ونصف، وفي ظل « عتب علي قدر المحبة» للحكومة المصرية، من تأخر عودة العلاقات بين البلدين إلي سابق عهدها، فقد علمتنا دروس التاريخ، ان الأمن القومي لمصر يبدأ من طرطوس في شمال سوريا، وكشفت لنا أحداثه، ان اول تجربة وحدة بين دولتين عربيتين في العصر الحديث، ضمت القاهرة ودمشق، وكانت في الستينيات من القرن الماضي، وأكدت لنا السياسة، ان مصر وسوريا ومعهم السعودية، هم شركاء الإنجاز الأكبر، المتمثل في انتصار أكتوبر ١٩٧٣، وان الدول الثلاثة هم قاطرة العالم العربي.
الزيارة واللقاءات التي تمت مع عدد من كبار المسئولين، والمستمره منذ يوم الخميس الماضي، أعادت إلي ذاكرتي ايام من عام ١٩٨٨، كنت شاهدا علي تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين واستئنافها، بعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلي القدس، وما نتج عنها من توقيع اتفاقيه السلام مع اسرائيل. كنت يومها مرفقا لوفد اتحاد المحامين العرب، الذي اختار العاصمه دمشق لعقد دورته السنوية، ونظرا لعدم وجود خطوط طيران مباشر مابين القاهرة ودمشق، فقد وصلنا بطائرة مصرية إلي العاصمه عمان، ومنها بالاتوبيسات إلي دمشق، وحرص المسئولين السوريين علي الالتقاء بالوفد الصحفي المصري، وفي المقدمة منهم نائب الرئيس في ذلك الوقت عبد الحليم خدام، ووزير الاعلام السوري محمد سلمان، تحولت اللقاءات إلي التمسك بالعلاقات التاريخيه بين البلدين، ورصد لحجم التغيير في السياسة المصرية، تجاه القضية الفلسطينية في زمن حسني مبارك،الذي حظي هو الآخر بإشادة واسعة، علي خلفية دوره كقائد للقوات الجوية في حرب أكتوبر، ورفيق سلاح للرئيس الراحل حافظ الأسد، في رساله لاتخطئها العين إلي المسئولين في القاهرة.
وكانت النهاية السعيدة، عندما التقي رئيس اتحاد المحامين العرب احمد الخواجة مع الرئيس حافظ الأسد، وطلب منه علي ضوء معاناة الوفد المصري في رحلة الذهاب، توفير طائرة تنقل الوفد إلي عمان، ليستقل الطائرة المصرية إلي القاهرة، فما كان من الرئيس الأسد الا ان امر بتخصيص طائرته الرئاسية، لتقل الوفد المصري إلي القاهرة مباشرة، وكانت المرة الاولي التي يستقبل فيها مطار القاهرة طائرة سورية، منذ اكثر من عشر سنوات، وسط حفاوة مصرية كبيرة بالموقف السوري، وتحركت عجله الأحداث، ولم تمض بعدها شهور قليلة، حتي تم الإعلان عن استئناف العلاقات بين البلدين. وأتذكر ان سوريا كانت الدولة الأخيرة التي قامت بتلك الخطوة، وهكذا انتهت حقبة كئيبة من التاريخ العربي، بعد ان استعادت مصر من جديد عضويتها في الجامعة العربية.
فهل يعيد التاريخ نفسه؟ ويكون الوفد الصحفي المصري الذي يقوم بأول زيارة من نوعها إلي دمشق، هو «بشرة خير «، لتعود المياه إلي مجاريها بين البلدين، فالقاهرة لم تتورط في ذلك الصراع، الذي يحرص المسئولون السوريون علي وصفه بانه «أممي»، وكان موقف القاهرة المعلن منذ اللحظة الاولي للازمة، انها مع وحدة سوريا، ولم تسمح للائتلاف السوري وهو احد مكونات المعارضة، بحضور او المشاركة في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ، وبقي مقعد سوريا شاغرا، وكان الامر رسالة مصرية واضحة، بانها مع الحل السياسي الذي يتوافق مع تطلعات الشعب السوري، كما ان التحركات السياسية الأخيرة، تؤكد اننا في الربع ساعة الأخيرة من الازمة، كما قال لنا الدكتور يوسف الأحمد سفير سوريا السابق في مصر، ومندوبها في الجامعة العربية، الذي يتولي الآن عضو القيادة القطرية لحزب البعث، فهناك العديد من الاتصالات والمبادرات والمواقف الجديدة، التي تؤشر علي وجود الارادة السياسية الدولية والإقليمية للحل، من ذلك اقتراب الموقف الامريكي والروسي من الازمة، واللقاءات التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، لوزراء خارجية البلدين ومعهما نظيرهما السعودي عادل الجبير، ناهيك عن الزياره المهمه التي قام بها وزير الخارجيه السوري وليد المعلم، إلي العاصمه مسقط، والتي مثلت مؤشرا علي دخول الدبلوماسية العمانية النشطة والناجحة علي خط معالجة الازمة.
نحن نعتقد بان علي الدبلوماسية المصرية، ان تكون احدي محطات البحث عن حل،والمساهمة بايجابية في ذلك الحراك الدولي والإقليمي، فهي مؤهلة بحكم التاريخ والجغرافيا، لدور وسيط نزيه ومقبول، بين المعارضة والحكومة السوريه، ولعل الخطوة الاولي لمثل هذا الدور المصري، أعاده الاتصالات، والسعي إلي حوار مع الحكومة السورية، واتخاذ قرار باستئناف العلاقات وعودة السفراء.