جذبتني ابتسامته التي تزين كل الجدران.. انه صاحب المنصب الرفيع الخطير الذي قدم خدمات جليلة للوطن.. خاطر بحياته سنوات وحمل روحه علي كفه كي يفدينا لنحيا كراما.. بذل النفيس والغالي من اجل الامن والامان اللذين ننعم بهما.. هاهو بشحمه ولحمه جاء الينا يتصدر القائمة التي نشرف بانتخابها لتملثنا في مجلس النواب.. سنعطيه بل نهبه اصواتنا حبا وكرامة هو والمستشارون والصحفيون والمفكرون وسائر المرشحين اكراما لعيونه وعطائه السابق المميز والرفيع.
أقبلت عليه بشوق.. أريد ان أزف اليه نبأ مبايعتنا له.. اننا نشرف انه ممثلنا البرلماني.. الم يمنحنا قبلة الحياة في مواقف عديدة.. اذن من حقه علينا ان نقول له نعم.. بل سنقول له نعمين وبكل اللغات.. اقبلت اصافحه يدا بيد واعلن التأييد.. فوجئت به يخشاني.. بل حاول ان يتحاشاني.. اشاح بوجهه عني ليظهر رجال شداد غلاظ لم ألحظهم من قبل حالوا بيني وبينه.. صنعوا حائطا منيعا.. صدمتي لم استطع استيعابها.. لماذا جاء حينا الفقير البسيط المتداع.. ألم يأت ليعرض علينا برنامجه ويطلب ان ننتخبه.. دفاعه عن بعض كرامة اهدرت رجوتهم ان يسمحوا لي بان اصافحه.
ايوه والله العظيم لا اريد الا مصافحته فقط.. كما ساعلنه مبايعتي واسرتي واهلي وحارتي واصواتنا مضمونة لاسمه وتاريخه المشرف.. بايماءة سلف وعظمة اعطاهم لفتة توحي موافقته.. من خلال فرجة صغيرة من بين اجساد الرجال الشداد امتدت يدي.. واجهتني يد تمتد في صلف وتردد كأنما يخشي اصابته بمرض جلدي حال ملامستي له.
نظرت اليه فاذا به ينظر إلي السماء.. انه لا يراني..لكني ادافع عن بعض آدمية متبقية لدي.. ألتقت يدي بيده وكأن عقربا لدغه سحب يده مسرعا وترك المنطقة باسرها ورحل.
غادرت ايضا صوب اللاشئ.. لاحظت دمعة تغادر عيني منعتها كثيرا لكنها أبت الا تخرج.. تركت لدموعي العنان.. هزتني اسئلة عديدة احاول التماس لصاحب المنصب الرفيع بعض العذر فلا اجد.. نظرته لي ولاقراني من اهالي المنطقة البسيطة التي ترشح عنها لسنا السبب فيما آلت امورنا اليها.. ربطنا الحزام طويلا وصبرنا اطول وعملنا اكثر وتفاعلنا مع كل المطالبات ولم نتغير مازلنا كما نحن.. كما هو ظل الكبير في الجهاز الخطير التي تسرد نوادره علينا صباح مساء حت حفظناها.. اجيب علي تساؤل يهزني عن الفرج الذي انتظرناه عن تمثيله لنا والخير المنتظر علي يديه.. تخرج الاجابة من داخلي تقول انه لا يرانا قبل انتخابه فهل سيشعر بنا بعد نجاحه وينفض المولد.. انه طاف بالشوارع ولمس المنازل المتداعيه والاجساد العارية والنفوس المريضة والشخصيات الهزيله التي قتلها الجهل والفقر.. انها نفس النقاط التي وضعها في برنامجه ووعد بالاقتراب والحياة معها وفي وسطها ومعايشتها المر قبل الحلو.. توصلت إلي انها وعود انتخابيه سرعان ما تتلاشي كما يقشع ضوء الشمس سحابة الليل.
قادتني قدمي إلي مقهي بسيط.. جلست ليصل إلي سمعي أذان الفجر.. يا الله سرت طول الليل دون ان اشعر.. يممت صوب المسجد.. دعوت الله ورجوته الاستجابه بالا يمثلنا مثل هؤلاء.. نظرت اليه وهو يحدثني ويحاول استجماع بقيته التي يؤكد انه مازال يبحث عنها.. سألته عن استجابة الدعاء ام انه فاز.. ابتسمت اساريره للمرة الاولي منذ بدأ الحديث..قال نعم.. نعم استجاب الله للعبد الفقير ولم يفز الباشا «الأليط» الذي انفق الملايين هباء ولو اكتفي بكسب ود البسطاء لاكتسح الكل دون الحاجة إلي ثروة او جاه.