جوهر الإسلام واحد، غير أن فهم الشعوب والأمم التي اعتنقته يختلف طبقا لميراثها وظروفها وتكوينها الثقافي العميق. لم تعرف مصر الانقسامات الحادة التي عرفتها وتعيشها بعض الأقطار العربية والإسلامية الآن، في بعض منها يعرف مذهب الناس من أسمائهم، الشيعي لا يسمي نفسه أو أبناءه عمر وعثمان وأبا بكر، أما السني فلا يتخذ أسماء علي والكاظم وعبدالرضا، يخفت الصراع حينا ويحتدم إلي حد الاقتتال حينا آخر، تتوزع مناطق السكن طبقا للمذهب، فنجد الشيعة يتمركزون في مناطق محددة والسنة كذلك، وأصحاب الأديان الأخري. في القاهرة والمدن المصرية لا توجد مناطق سكنية طبقا للمعتقد. وأبرز مثال علي ذلك ان مصر لم تعرف ظاهرة الجيتو الذي يتمركز فيه اليهود، في القاهرة ستة عشر معبدا يهوديا تتوزع علي المكان من أقصي الشمال إلي الجنوب، حي الظاهر مثلا،فيه جامع الظاهر بيبرس وفي مواجهته تماما معبد يهودي وعلي بعد خطوات كنيسة، أما منطقة الفسطاط فكثيرا ما أتأملها كحالة تجسد التعايش طبقا للمفهوم المصري القديم، أقدم كنائس  العالم علي بعد أمتار من أول مسجد في مصر وافريقيا، جامع عمرو بن العاص. أما معبد بن عزرا أقدم معابد اليهود فملاصق للمنطقة القبطية، لا يوجد صراع ديموجرافي أو معماري، في حالات الضعف فقط والتدهور الاجتماعي يظهر الانقسام لفترة أو كاستثناء وأضرب مثالا بالمذبحة البشعة التي جرت خلال حكم الإخوان في أبو النمرس، عندما تم قتل مجموعة من المصريين اعتنقوا المذهب الشيعي، أثار الحادث جزع الأمة المصرية كلها، لم يتكرر ذلك، المصريون سنة طبقا للمذاهب السنية الأربعة، الزواج، الميراث، المعاملات، ولكن في المضمون هم أقرب إلي الشيعة، يتعلقون بآل البيت، ولكل منهم في المكان مرقد حتي وإن لم يدخل مصر، وفي القلوب منزلة، سيدنا الحسين هو سيد الأولياء، وهو الملجأ والملاذ للمضامين والمكروبين، والمكان الذي يقصده الغرباء والمحبون. ورصد التفاصيل يطول، علي بعد أمتار من الأزهر، في حارة الروم كان يوجد مقر البطريركية القبطية حتي زمن الحملة الفرنسية ثم انتقل إلي الأزبكية، ثم إلي العباسية في زمن الرئيس جمال عبدالناصر، أدرك المصريون جوهر الإسلام، للناس كافة، ليس لمجموعة بعينها أو عرق بعينه. إنه كون أنه لا يفرض بالقوة، إن الفهم المصري للإسلام وللأديان كافة يجب فهمه بدراسة الحالة المصرية وإبراز مضامينها، هذه حالة لها خصوصية إيجابية في المكان والزمان. لو أبرزت وفهمت وعممت سينقذ هذا الدين الحنيف الذي يسيء بعض من يعتنقونه فهمه ويدفعون به إلي صراعات الدم والعنف مما يضعهم في مواجهة مع العالم كله، وجوهر الدين الذي فهمه المصريون فهما صحيحا وأضفوا عليه من ميراثهم الثقافي والروحي،جوهر الدين بريء من كل ما يلصق به.