أخيراً تم الاستحقاق الثالث والأخير وأصبح لنا برلمان، وأياً كانت الخلافات عليه، أو بالقوانين التي وضعتها اللجنة العليا للانتخابات، علينا أن نعترف بهذا الواقع الذي يؤكد بوجود برلمان منتخب، قد يكون ليس هو البرلمان الذي كنا نتمناه بعد ثورتين عظيمتين، وخمس سنوات نلنا مانلنا فيها من ويلات الإرهاب، ومن خيرة دماء شهداء سالت علي تراب مصر الطاهرة، ولكن أياً كانت الوجوه داخل البرلمان رضينا عنها أم لم نرض، بالقطع لن تستطيع أن تسير وتفعل كما كان في برلمانات ما قبل 25 يناير، أري الوضع مختلفاً، وعلينا أن نتفاءل علي الأقل بوجود وجوه جديدة من الشباب تمارس السياسة لأول مرة، وعلينا أيضاً أن نتفاءل بوجود نسب مرتفعة من أشقائنا في الوطن من المسيحيين الذين تم انتخابهم بعيداً عن الطائفية المزعومة التي صدعنا بها أعداء الوطن لسنوات، وعلينا أكثر أن نتفاءل بنجاح نسبة مرتفعة من النساء لم تشهدها البرلمانات السابقة في تاريخ مصر " 73 نائبة علي المقاعد الفردية والقوائم " وهو حُلم تحقق بوصول المرأة بهذا العدد الذي قد يقترب من المائة بعد إتمام التعيينات، وهو عدد مسبوق لم تشهده البرلمانات السابقة في تاريخ مصر، يؤكد دورها الرائع وتصدرها للمشهد السياسي منذ ثورة 25 يناير ومروراً بثورة 30 يونيو وحتي مشاركتها الواسعة ومساهماتها الفعالة في إنجاح الاستحقاقات الثلاثة من خارطة الطريق، وليتم إلغاء مصطلح الكوتة الذي كُنت أستشعر أنه مصطلح العار لأنه يساهم في تأصيل ضعف دور المرأة في الترشح والمجابهة، وهو المصطلح الذي ألغته المرأة بنفسها منذ مشاركتها الفعالة في ثورة الخامس والعشرين من يناير وماتبعها.
أعود لبرلمان 2015، الذي أصبح واقعاً، ومن حقنا أن نحلم ببرلمان قوي، حتي لو كان به وجوه لانرضاها، قد تكون بائدة من العهود الماضية استطاعت جلب الأصوات من العصبيات، وقد تكون ممن يمتلكون أموالاً وماتت ضمائرهم وهم يقدمون الرشاوي الانتخابية وكانت ظاهرة للعيان، ولدي اللجنة العليا للانتخابات الكثير من هذه القضايا والشكاوي التي قُدمت إليها، ولكن في المقابل هناك وجوه كثيرة لم تملك المال استطاعت أن تحصد الأصوات من الشباب والنساء، وهو ماينم عن تزايد الوعي السياسي بين الناخبين البسطاء، من حقنا إذن أن نحلم ببرلمان قوي، ومن حقنا أن نحلم بديموقراطية حقيقية، وعلي النواب المنتخبين أن يحققوا لنا ذلك، وأن يقروا لنا خطط التنمية، وأن يضعوا الخلافات جانباً ويرتفعوا بمستوي الأداء البرلماني، وأن يحققوا للمواطن المصري ثماراً يجنيها من البرلمان الذي خرج لاختيار نوابه، وأن يعيدوا الثقة للمواطن الذي قاطع الانتخابات ولم يشارك فيها، وأن يمارسوا الدور المنوط بهم في الرقابة والتشريع لضمان حقوق المواطنين.
وأخيراً، وليس آخراً، علي نواب برلمان 2015، أن يساهموا بفاعلية في إجهاض مانشرته بعض الصحف الأمريكية والأوربية من أن برلمان مصر القادم سيولد ميتاً، وهو قول شهير للبروفيسور ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، والذي كان يشير إليه ويؤكده في مقالاته، فهل يفعلون ذلك، نأمل هذا، وعلينا أن نحلم وعليهم أن يُكملوا الحُلم ويملأوا الفراغ السياسي ويعملوا علي الوصول بمصر لحالة الاستقرار الأمني والمعيشي، عليهم أن يضعوا في اعتبارهم وأذهانهم أن ثورة 25 يناير قامت من أجل القضاء علي الظلم وتحقيق العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، نعم علينا أن نحلم، وعلي نواب البرلمان الجدد أن يحققوا الحُلم.