حد يقولي أو يفهمني بأي منطق يصدر تصريح من مجلس الوزارء بأن الحكومة ليست طرفا في النزاع الدائر حول حكم التحكيم الصادر من مركز التحكيم الدولي بجنيف والذي يقضي بأن تدفع مصر 1،7 مليار دولار تعويضا لصالح شركة كهرباء إسرائيل؟
أليست الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «ايجاس» تابعتين لقطاع الأعمال العام الذي تمتلكه الدولة أم أن المال العام في شركات الدولة مال سايب وبلا رقيب؟
الأكثر غرابة أن يرد مسئول سابق في هيئة البترول مشيرا إلي أن القضية رفعت دون علم هيئة البترول ولا الشركة القابضة أي أن شركة كهرباء إسرائيل وشركة شرق المتوسط التي يملكها رجل الأعمال الهارب حسين سالم رفعوا القضية سكيتي، ومركز التحكيم الدولي لم يخاطب المعنيين بالقضية وأصدر الحكم غيابيا، كلها لوغاريتمات لا يصدقها عقل وتصب في صالح «ولا من شاف ولا من دري» لكن يبدو أن المحكمة السويسرية التي نظرت الدعوي خاطبت مسئولينا بالسويسراوي وهي اللغة التي لا يعرفونها.
علي حكومتنا التي تصر علي أن النزاع لا يعدو كونه نزاعا بين شركات وأنها ليست طرفا فيه أن تتحلي بالشجاعة والشفافية وأن توضح لنا حجم الاموال التي خسرناها في قضايا التحكيم تتعلق بالخصخصة وخلافه خلال السنوات الأخيرة وأليس كان من الاجدي الانتباه لهذه القضايا المهمة بدلا من دفع أموال بالنقد الأجنبي نحن في أمس الحاجة إليها وعلي رأي المأثور: اللي يعوزه البيت يحرم علي إسرائيل؟
هناك تقديرات للاموال المصرية التي أتلفتها قضايا التحكيم بالمليارات وعلي الحكومة وقف نزيف النقد الاجنبي الذي يكلفنا الكثير وآخره تعويض بقيمة 66 مليون دولار رفعته شركة كيما للأسمدة لشركة ايطالية لتأخرنا في تنفيذ مشروع تأهيل مجمع كيما للعمل بالغاز الطبيعي بدلا من الكهرباء.. ومعلوماتي أيضا أن كيما ارتضت دفع هذا المبلغ اتقاء لتعويض أكبر متوقع أن يصدر من محكمة التحكيم.
قضايا كيما وإيجاس لم ولن تكون الأخيرة فهناك قضايا بالهبل مرفوعة علينا جراء تداعيات الخصخصة وقضايا أخري منها نزاع فسخ عقد محطة الحاويات الثانية في ميناء دمياط مع شركة كويتية وقضية شركة الاسمنت العربية وغيرها و«يا ما في الجراب يا حاوي».
ودون الدخول في تفاصيل ادعاءات ودفاعات كل طرف في هذه القضايا ومثيلاتها يجدر بالحكومة أن تشكل لجنة عاجلة لمتابعة هذا الملف الخطير والذي أعتقد أنه من الاهمية التي تضاهي اهتمامنا باسترداد الأموال المهربة في الخارج والتي يبدو أنها سراب.. تشكيل هذه اللجنة لمتابعة قضايا التحكيم الدولي المرفوعة علينا ليس صعبا ولا مستحيلا فلدينا أكبر خبراء التحكيم التجاري في العالم وعلينا أن نقتدي بمعركة تحكيم طابا الخالدة وأن نوجه اهتمامنا لهذا الملف الخطير فهي بالنسبة لنا عصفور في اليد أفضل من عصافير فوق الشجرة، مع الاعتذار لفيلم شهير للعندليب الراحل عبد الحليم حافظ.
هذه الاموال التي خسرناها في قضايا التحكيم وأتحدي الحكومة أن تعلن الرقم الحقيقي لها لا تعدو خسائر اقتصادية فقط بل لها تكلفتها الاجتماعية ممثلة فيما كانت هذه الأموال ستنفق حال عدم ضياعها فقد كان من الممكن توجيهها لمشاكل التعليم أو الصحة أو غير ذلك من الاشكاليات اليومية التي يعانيها المواطن.
يكفينا ما لدينا من مشاكل فموارد النقد الاجنبي ليست بالكومة أو «علي قفا مين يشيل» وعلينا ترشيدها بقدر المستطاع وهو بند تعويضات قضايا التحكيم الدولي فأي مبلغ ندفعه بالدولار غصبا أو إهمالا يشكل ضغطا علي مواردنا وبالتالي استغلال المضاربين لرفع سعر الدولار الذي ينعكس قطعيا في تكلفة الاستيراد وبالتالي أسعار السلع علي المستهلك النهائي، وهو المواطن.
أقول للحكومة: رجاء الاهتمام بهذا الملف الذي تفوق أهميته ملف الأموال المهربة حتي لا نسمع يوما عن تأسيس صندوق جديد يدعو المواطن للتبرع لسداد أموال التعويضات.
حرف ساخن:
شوية شوية يا دكتور توفيق عكاشة عضو البرلمان.. سعدنا بنجاحك بأعلي الأصوات لكن لم يكن لائقا أن تقول «إنك تطلب رئاسة البرلمان مثلما طلب سيدنا يوسف عليه السلام أن يتولي خزائن مصر».