في يوليو عام ١٩٧٠، كنت محررا عسكريا للأخبار، كانت حرب الاستنزاف في أوجها، الجهد الرئيسي منها معركة شرسة بين قوات الدفاع الجوي المصري وسلاح الطيران الإسرائيلي المزود بأحدث الطائرات وقتئذ، دعيت مع زميلي المصور الشجاع مكرم جاد الكريم لحضور مناورة كبري، تبدأ من القناطر الخيرية، وكان علي رأس القادة الفريق أول محمد فوزي، أحد أعظم القادة الذين أنجبتهم مصر، وإليه يرجع الفضل مع الفريق عبدالمنعم رياض في قيادة الجهد الهائل الذي بدأ بعد هزيمة يونيو  مباشرة في إعادة بناء القوات المسلحة وإعداد الجيش لعبور القناة وتحرير سيناء. استغرقت هذه المناورة التي شاركت فيها عدة فرق مشاة ميكانيكية ومدرعات وكتائب مدفعية وصاعقة ومظلات أربعة أيام وكانت الحركة في اتجاه الصحراء الغربية، عندما وصلنا إلي ترعة الخطاطبة التي شقت في الصحراء، دهشت، كنت في مواجهة قناة السويس، العرض مقارب، سرعة التيار، علي الضفة الأخري خط بارليف، السائر الترابي، الأسلاك الشائكة الكثيفة والتي شبهتها بالشعر المجعد علي وجه أشقر »الرمال»‬. علمت أن سرعة التيار في الترعة مقاربة جدا لسرعة التيار في قناة السويس، رأيت تجربة كاملة للعبور الذي بدأ بعد ثلاث سنوات في السادس من أكتوبر، سلاح واحد فقط لم يكن موجودا، وهو سام، المحمل علي عجل. أي عربية مجنزرة، وكان يعتبر من أحدث الأسلحة الروسية، يمكنه التنقل بدون الحاجة إلي إنشاء قاعدة خرسانية ومعدات متعددة كانت تحتاج إليها كتائب الدفاع الجوي. لماذا أذكر هذه الشهادة التي تحتاج إلي تفصيل أكثر؟ لقد لاحظت في كتابات ظهرت خلال الاحتفال بذكري العبور نغمة غريبة تقول إنه جري الزج باسم جمال عبدالناصر إلي جوار أنور السادات وكأنه هو الذي صنع العبور، تلك نغمة كريهة مغرضة مخالفة لحقائق التاريخ وتذكرنا بمعركة كبري جرت علي صفحات هذه الجريدة بيني وبين مؤرخ شهير استهدف حرب الاستنزاف، وكان ذلك في إطار حملة واسعة لتشويه عبدالناصر، ويبدو أن حضور الرجل في غيابه بانحيازاته إلي الأغلبية الفقيرة ووطنيته ونزاهته ماتزال تقلق البعض،  لكن الزج بحروب مصر المقدسة لدعم وجهة نظر أو موقف سياسي خطأ كبير، نعم لولا إرادة عبدالناصر ومعه مئات الألوف من شباب مصر المتعلم علي أعلي مستوي أوقفوا حيواتهم وجهودهم لأكثر من سبع سنوات وهم في صفوف الجيش، لولا القادة والضباط والجنود الذين عملوا بدأب وجهد ما كان العبور، لقد عشت تفاصيل هذه المرحلة اعتبارا من بداية عام ١٩٦٩ يوما بيوم، الجيش الذي خاض حرب الاستنزاف هو الذي حارب وعبر في أكتوبر، وإذا استعدنا وقائع التاريخ، وإدارة الحرب في ١٩٧٣ فلن يكون هذا لصالح السادات ولذلك تفصيل.