من أخطر أسلحة السعدنى على الاطلاق هى لسانه وسخريته.. وهى اسلحة يستخدمها السعدنى دون ان يفرق بين حاكم ومحكوم أو غنى أو فقير فإذا حبكت معه النكتة فإنه يدعها تأخذ مجراها على لسانه ولا يحسب حسابا لما يمكن أن يترتب عليها بعد ذلك واحيانا جلبت له هذه القفشات والنكات مصائب عظمى وجرجرته إلى سجون ومعتقلات ولكنها لم تستطع على الاطلاق أن تنال من سخريته أو تضع حولها لجاما.. وذات يوم قابل فيه السعدنى جمال عبدالناصر فإذا به للمرة الأول والأخيرة فى حياته وهو ينظر فى وجه الرئيس عبدالناصر فيصف شعاعا لايمكن ان تقاومه فعل هذا الشعاع مالم يستطع الضرب والسجن والتعذيب أن يفعله مع السعدنى فقد اصيب بداء الصمت.. واذا تكلم فإن ردوده كانت غير سعدنية على الاطلاق.. ولم يكن السعدنى يعلم شيئا عن سر هذا اللقاء الذى جمعه بالرجل الذى اهان السعدنى وأذله فى المعتقلات لمدة ١٨ شهرا بلا تهمة ليخرج بعد ذلك وهو اشد الناس ايمانا به وفيا لمبادئه لدرجة انه وهو فى مرضه الشديد كان كلما شاهد له صورة أو تكلم عنه احد انهارت مقاومته ودخل فى نوبة بكاء على زمان الرجل الذى عشقته الجماهير فى انحاء عالمنا العرب.. وكنت محاولا التخفيف عنه أقول له.. لقد اهانك عبدالناصر وعذبك فى معتقلات وسجون القلعة والواحات. فيرد قائلا.. اهانني.. نعم.. ولكنه اعز مصر واعود إلى الاستاذ بهاء الذى التقى السعدنى فى الكويت وكان السعدنى قد خرج من مصر بعد ان رفض الرئيس السادات أن يعود للكتابة مرة أخرى بعد ان سجنه فى قضية مراكز القوى لمدة عامين كاملين، بينما خرج الاستاذ أحمد بهاء الدين بعد ان اختلف فى كثير من سياسات الرئيس السادات.. وفى الكويت دارت حوارات ندمت اشد الندم لاننى لم اسجلها وصارح الاستاذ بهاء السعدنى قائلا: ان جمال عبدالناصر بعد نكسة يونيو ادرك ان الميثاق لم يصل إلى الناس الذين خرج ناصر منهم.. وهم الفلاحون والعمال وعندما بلغته احدى ∩النكت∪.. عن الميثاق.. سأل عامل فلاح.. ايه رأيك فى الميثاق فرد الاخير.. لا ياعم البلومونت أحسن منه!!
وهنا قرر ناصر ان يتولى اعادة صياغة الميثاق كاتب صاحب حس شعبى وكان الرئيس قد استمع إلى مسلسلات السعدنى فى الاذاعة وكانت من اجمل ما قدمت الاذاعة المصرية مسلسل ∩الولد الشقي∪.. والذى تناول السيرة الشخصية للسعدنى فى حارة سمكة التى نشأ وتربى فيها أما المسلسل الآخر فكان ∩الجدعان∪.. وفيه تناول السعدنى اعاجيب الانتخابات فى بر مصر والتربيطات والمقالب التى شهدتها كواليس الانتخابات وكانت لغة السعدنى بسيطة ساخرة محببة إلى النفس يتقبلها المسئول مع ان السعدنى يوجه اليه اقسى انواع الاتهامات ولكنه يضحك لها قبل غيره ولا يملك الا ان يحترم صاحب النقد لانه يمثل الشارع المصرى بحق وحقيقة وعندما استمع ناصر إلى هذا المسلسل تحديدا اصبح السعدنى من ايامها فى دائرة اهتمام الرجل.. حتى جاء اليوم الذى استدعى فيه الزعيم الخالد من ذاكرته السعدنى ليصبح سفيره لدى البسطاء والمهمشين والغلابة فى بر مصر.. ولكن المرض كان اسرع واقوى والمؤامرة التى وقعت فى عام ٦٧ كان لها اسوأ الاثر على ناصر.
وهكذا كتب للميثاق ان يظل حبيس ضفتى كتاب لغته بليغة اى نعم.. ولكنها لا تصلح لمخاطبة الناس الذين خرج منهم جمال عبدالناصر حسين وانجاز اليهم وعاش ومات من اجلهم.