«الخلافات ليست سياسية.. بل هى شخصية فى المقام الأول والأخير.. ونتمنى ألا تستمر كذلك»

رغم كل الصعوبات والتحديات التى واجهت الدولة فى الفترة الأخيرة.. انتهى الاستحقاق الثالث والأخير من خطة المستقبل السياسية المصرية التى أقرت فى الثالث من يوليو 2013.. فبعد صياغة الدستور فى نهاية 2014 واختيار الرئيس فى مايو 2015.. أجريت الانتخابات البرلمانية لاختيار نواب الشعب وانتهت تلك العملية منذ ساعات وكان من المفترض انتهاؤها منذ شهور لولا الأحكام القضائية.. ولا يتبقى إلا صدور قرار رئيس الجمهورية بتعيين 28 من الشخصيات العامة (5%) ليكتمل المجلس ويبدأ الدورة الأولى لانعقاده.

اختيار المجلس هو اختيار الشعب.. ومهما قلنا عن انخفاض نسبة المشاركة فإننا لا نلوم إلا من لم يخرج ويدلى بصوته ولا نلوم أحدا آخر.. ومهما قلنا عن عودة وجوه قديمة بنفسها أو عن طريق أبنائها وأقاربها فليس هذا إلا دليلا على أن هذه الوجوه مازالت الأقرب للناس والأقدر على الوصول إليهم فى مقابل ضعف المنافسين أو حداثة عهدهم على الأرض وهذا يحتاج إلى وقت وإلى عمل جاد.

المشهد الحالى يقول - كما توقعنا - أن البرلمان الجديد سيكون مليئا بالخلافات بين أعضائه أكثر من الخلافات بينه وبين الحكومة.. والسبب هو كثرة عدد المستقلين مما يجعل كل واحد منهم حزبا فى حد ذاته.. وكل منهم لديه طموح قد يفوق قدراته. أما عن الأحزاب التى تمثلت بأعداد أكثر نسبيا فهى مازالت أحزابا حديثة العهد وغير قوية البنيان ونوابهم قليلو خبرة بالبرلمان وهذا ايضا يحتاج إلى وقت وإلى عمل جاد.

لن يستغرق زمن إذابة الجليد أو إطفاء النيران بين أعضاء المجلس أقل من دورة انعقاد برلمانية كاملة يعرف فيها كل واحد قدره وحجمه وضرورة وجود تعاون بين الجميع حتى تسير الأمور فى البرلمان.. والخلافات التى أتحدث عنها والتى بدأت تظهر فى بعض المقابلات التليفزيونية وغيرها هى ليست سياسية.. بل هى شخصية فى المقام الأول والأخير.. ونتمنى ألا تستمر كذلك.


فى اعتقادى أنه ليس هناك اختلاف سياسى واضح أو ظاهر بين أعضاء المجلس.. وجميعهم تقريبا يلتف حول الدولة وقائدها وسياساتها.. وهو ما يعنى أننا يمكن أن نسمى هذا البرلمان « مجلس دعم الدولة.. شعبا وحكومة ومؤسسات «.. ولكن ما يحاوله البعض من إنشاء تحالف أو ائتلاف تحت هذا الاسم قد قسم الأعضاء مبكرا جدا إلى قسمين.. وأطاح بمفهوم المستقلين.. ويقربنا بما كان يحدث فى السابق من خلق تكتل للمصالح ينضم إليها من أراد السباحة مع التيار لأنه لا يعرف العوم.

خلاف آخر كبير ظهر وهو اسم رئيس المجلس.. وإن كان سيحل فور الإعلان عن أسماء المعينين.. وخلاف ثالث أكبر سيظهر مع اختيار رؤساء اللجان وهيئة المكتب.. وتنظيم أولوية التحدث وزمن الكلمات خاصة ممن اعتادوا فى الفترة الأخيرة على التحدث فى برامج التوك شو ضيفا كان أو صاحب برنامج.. كأنه فى مدينة الإنتاج الإعلامى.

ومن أهم القضايا الخلافية التى سيواجهها المجلس الجديد هى تطبيق المادة 156 من الدستور، بعد التفسيرات المختلفة التى أطلقها عدد كبير من أساتذة القانون والسياسيين والحزبيين والنواب السابقين والحاليين حول كيفية التعامل مع هذه المادة التى تتحدث عن مناقشة المجلس للقرارات بقوانين التى صدرت فى غيبة المجلس، وتتجاوز 507 قوانين.

وتنص المادة 156 كما جاءت فى الدستور الجديد على « إذا حدث فى غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه، وإذا كان مجلس النواب غير قائم يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب عليها من آثار.

وكعادة الفقهاء القانونيين الذين لا يختلفون عن فقهاء الدين فإنه ليس هناك رأى واحد.. هناك دائما رأيان أو أكثر ولكل منهم حجته ومنطقه. ومنذ صدور الدستور حتى اليوم توالت الآراء المتناقضة حول تفسير هذه المادة مما يضع مجلس النواب فى حالة ارتباك شديدة. هناك آراء تؤكد إلزام المجلس بمناقشة جميع القوانين التى صدرت قبل انتخاب المجلس.. ومنها من أكد أن هذه القوانين صدرت فى الفترة الانتقالية التى لم تكتمل إلا بعد انتخاب مجلس النواب وبالتالى لا يمكن مناقشتها.. وأن تلك المادة لا تنطبق على البرلمان الحالى لأن هذه المادة تخاطب ظروفاً عادية وطبيعية بها سلطتان تنفيذية وتشريعية، ثم تم حل البرلمان أو أن البرلمان فى عطلته لكننا الآن فى فترة انتقالية لا تنتهي.

كان الله فى عون
البرلمان.. ولك الله يا مصر.