أرجئ الحديث عن السنوات الثلاث الماضية الفاصلة بين رحيل جمال عبدالناصر ، وبدء حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ ، سأقصر وأتحدث عن قرار الحرب ، لقد مارس الشعب من خلال الحركة الطلابية والعمالية ضغطاً لاتخاذ قرار الحرب ، كذلك قيادة الجيش ، عندما بدأت المعركة ظهر السادس من أكتوبر ، كان تطلع الشعب المصري وجيشه إلي معركة تحرير كاملة لكل الأراضي المحتلة ، غير أن القرار السياسي لم يكن في مستوي الاستعداد العسكري والحالة المصرية الخاصة التي يحتاج فهمها إلي إلمام عميق بخصائص الشعب المصري وعناصره الحضارية التي تنصهر في حالات الأزمة والخطر ، كان قرار الصمود قد اتخذه الشعب بمجرد إعلان عبدالناصر الهزيمة العسكرية التي لم يكن للجيش ذنب فيها ، بعد ثلاثة أسابيع من الخامس من يونيو جرت معركة رأس العش التي أوقف  فيها المشاة المصريون تقدم طابور إسرائيلي مدرع إلي بورفؤاد  وكانت تلك بداية المقاومة . كان القرار السياسي في السادس من أكتوبر تحريك القضية وليس تحرير كامل سيناء ، وكان الجيش يتدرب علي معركة تحرير سيناء ، وطبقاً للقرار السياسي تم عبور خمس  فرق مشاة قوامها مائة ألف رجل، اضافة إلي اسلحة الدعم ، وبعد عبور المانع المائي الصعب ، وقهر الجيش الذي لا يقهر كما روجت دعايته ، جري انشاء رؤوس كباري من عمق خمسة عشر كيلو متراً إلي سبعة عشر كيلو مترا، للأسف لم يكن هناك وجود للصحافة المكتوبة أو المرئية لحظة العبور ، وفقدت مصر تسجيل أثمن وأروع لحظاتها في التاريخ الحديث ، عندما وصل الصحفيون صباح الأحد إلـي الجبهة ، كان الجيش قد أنجز المهمة التي حددها القرار السياسي، وهي انشاء رؤوس كباري علي الضفة الشرقية ، كانت آخر مرحلة  نصب الكباري الثقيلة في قطاع الفرقة ١٩ بالجيش الثالث ، تم ذلك في تمام الثامنة صباحاً ، من قُدر له  أن يشهد هذه اللحطة ، كان سيري حالة مصرية خاصة جداً. تجسدت فيما بعد خلال الجزء النقي من ثورة يناير المتمثل في خروج الملايين المجمعة علي هدف واحد، إنه مبدأ الكل في واحد ، كان ضباط وجنود الجيش يتسابقون للتضحية بأنفسهم، لقد انتصر الجيش عندما أخذ  زمام المبادرة ، وهاجم جيشاً قوياً عقيدته الاساسية الهجوم، وعندما تمركزت قوات الجيش في مواقع ثابتة طبقاً للقرار السياسي المسؤول عنه السادات ، بدأ يتخذ أسلوب الدفاع ، وشنت إسرائيل هجماتها المضادة التي بلغت ذروتها يوم الأربعاء العاشر من أكتوبر ، عندما  هاجم اللواء ١٩٠ المدرع الفرقة الثانية مشاة التي كان يقودها العميد (وقتئذ) حسن أبو سعدة ،  وتم تدمير اللواء وأسر قائده ، وقُدر لي أن أشهد هذه المعركة. ولهذا تفصيل.