المفروض أن الأحزاب هى المحرك الرئيسى للحياة السياسية والديمقراطية، وهذا لم يحدث فى مصر منذ نشأتها، بل شاهدناها ضعيفة هشة متصارعة، وبعد ثورتى يناير ويونيو تم تأسيس العشرات من الأحزاب التى لم نسمع عنها وأتحدى إن كان المواطن المصرى يعرف أسماءها أو أسماء مؤسسيها، رغم أن معظمهم من ذوى الألقاب البراقة الذين حرصوا على تأسيسها من باب « البيزنس « والوجاهة الاجتماعية، فقط لنشر صورهم وأخبارهم بالصحف ووسائل الإعلام، هى أحزاب بعيدة كل البعد عن الشارع والواقع السياسى المصرى، أعرف بعض هؤلاء المؤسسين وهم من اللواءات المتقاعدين وأساتذة الجامعات ومن يحملون لقب دكتور.. ومراراً كان سؤالى لهم، أين أنتم من الشارع المصرى، لماذا لا تتفاعلون مع مشكلات المواطنين؟، ولا أجد إجابة شافية، فأكرر عليهم، لماذا أنشأتم الحزب؟، كان الجواب الصدمة الذى خرج من أفواههم « وجاهة اجتماعية «، أى والله هذه الإجابة سمعتها من بعضهم !!، وبعد انتخابات برلمان 2015، نشاهدها الآن تتصارع على التربيطات والتحالفات والولاءات المتعددة، الأمر الذى يحدث حالة من الارتباك لدى المواطن المصرى، ويهدد شكل البرلمان القادم فى أعيننا، فبرلمان 2015 يواجه مشكلة كبرى فى تعدد ولاءات نوابه ما بين الولاء الحزبى والولاء للقوائم التى نجحوا عليها، والولاء للدوائر التى انتخبتهم، ناهيك عن الولاء الجغرافى للعائلة والقبيلة بمناطق الصعيد، والتساؤلات الأهم، هل تحالفات الجغرافيا ستجب الولاءات الحزبية للنواب؟ ما هو حدود انتشار ظاهرة التحالفات الجغرافية داخل البرلمان، وما قدرة الأحزاب على السيطرة عليها؟. قرأت مؤخراً دراسة مهمة أعدها برنامج الدراسات المصرية بالمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، حاولت الإجابة على هذه التساؤلات، أكدت أن صراع الولاءات المتعددة لعدد كبير من أعضاء مجلس النواب ستؤدى إلى هروب النواب إلى تحالفات الجغرافيا، بمعنى أن الجغرافيا ستلعب دوراً مهماً فى تحفيز النواب على الهروب من التحالفات المتصارعة التى تُحركها قوائم وأحزاب إلى تشكيل تحالفات موازية، تُعرف بتحالفات الجغرافيا، والتى بدأت تتشكل بالفعل ليس فى محافظات الصعيد فقط بل وفى بعض محافظات الوجه البحرى، باعتبارها لا تفرض عليهم أى التزامات، وتجعلهم أكثر اقتراباً من هموم دوائرهم الانتخابية، خصوصاً أن التحالفات العائلية والقبلية تتميز بالاستقرار والاستمرار والثبات حول الهدف، ويكون أكثر إنحيازاً للمواطن البسيط عن متطلبات رجال الأعمال فى الولاءات الحزبية، والتساؤل الأقوى، ما النتائج المحتملة لتكوين تحالفات الجغرافيا بالتوازى مع التحالفات الحزبية فى ظل احتمال عدم سيطرة الأحزاب على النواب المستقلين الفائزين فى الانتخابات الذين ترشحوا باسم هذه الأحزاب؟. قد تكون النتيجة إيجابية فى الحد من دور رجال الأعمال الممولين للأحزاب فى تسيير أمور السياسة تحت قبة البرلمان ويُقلل من دورهم فى رسم ملامح خطة عمل مجلس النواب مما يؤدى إلى تخفيض حدة مخاوف المواطنين محدودى الدخل من عدم اهتمام البرلمان بمشاكلهم، وأيضاً عدم التزام تحالفات الجغرافيا بتوجهات الأحزاب والتحالفات الأخرى قد يخلق تنافساً على رئاسة اللجان وأمناء السر وبالتالى يقل دور الأحزاب التى مولها رجال أعمال فى تحديد القضايا التى يتبناها البرلمان، والخلاصة أن تكوين تحالفات الجغرافى قد يُفقد الأحزاب السياسية السيطرة على نوابها، خاصة أن هؤلاء النواب مستقلون ومنتقلون حديثا إليها، وهو ما يصب فى مصلحة الانحيازات الاجتماعية والاقتصادية للفقراء، ويُقلل من فرص تدخل رجال الأعمال فى رسم خريطة عمل المجلس.. نأمل هذا..!