تأتى ياحبيب الدنيا راحلا مرتحلا..
تأتى وقد أضاءت يوم مولدك قناديل السلام.. مهللة بأن لله فى شئونه مرادا!
تأتى موقنا بأن الأقدار تختار صاحبها.. وأن الزمان يتأنى فى تتابعه المحسوب.. وأن المكان يدرك مواقيت بقاء ساكنه!
تجئ إلى دنياك والرياحين تزين سماء وجودك.. والياسمين لايغادر ساحتك!
تعيش وكأن الأيام ملكك.. وكأن عقارب الساعة تدار بفعل سكونك وحركتك!
تتنقل كالفرشات بين الحنان والحنين.. وتزاور عن الأرض وكأنك حارسها الأمين..
تدلل الأم.. وتخترق زوايا روح الأب!
تعانق لهفة الأشقاء.. وتداوى أنين الأصدقاء.. قدماك لاتخطئان الطريق إلى حيث نداءات الإيمان.
أنت الشاب المُرتجى.. وأنت الحلم المنتظر.
هكذا يقولون عنك منذ نشأتك.. هكذا يصفون خلقك وخُلقك.
هكذا يتابعون مسيرتك وخطوك.. هاأنت تكبر.. تحلم مثل باقى الرفاق.. يسألونك.. وماذا تريد أن تكون؟
لا تتردد الإجابة.. ولا يتلعثم اللسان..
تجيب..
أريد أن أكون قدوة واقتداء وأن ألبى النداء.. أريد أن أكون لبلدى فداء.. عرفت إذن الطريق وحدك.
تتشبث الأم بيدك الحانية عند السلام الأخير.. فنظرها اليوم تعلقه بك شديد.. يستجلب الأب صوتك الحبيب.. لحظة المغادرة الأخيرة.. يطلب من عناقك المزيد.. يدور حولك الصغار مغردين.. لحظاتك الأخيرة.. معهم كوداع أكيد.
لا تدرى أنت لماذا تستعجل هذه المرة الرحيل.. لاتدرى لماذا طفت بالديار وغلبك الحنين.
لا تدرى لماذا رغبت فى العناق وفى التقبيل.
صوت حالم يناديك عن بعد.. غربة محببة تغمرك لأول مرة بالحنان.. نفس مطمئنة.. تبشرك بالجنان.. تندفع وحيدا.. شجاعا.. مصمما.. واثقا.. إلى حيث مصدر التهديد.. تزيح بصدرك العارى وتفدى غيرك من الغدر والموت الأكيد.
تقبل أمك حبات تراب الأرض وقد اختلط الرمل والدم الزكى والمسك بحبل الوريد.
تتجمد دموع أبيك.. فقد فدا البلد بالابن.. ويريد أن يهب المزيد..
فى نبرة حزينة لكنها ممهورة بحب وطنى أصيل.. صرخت لوعة الأبوين معا.. نحن قدمنا لمصر الشهيد.
مسك الكلام..
قد تكون شابا رافضا لبلدك.. كن كما شئت.. لكنه هو رغم رفضه لجحودك بوطنك.. فقد فداك كشهيد!