اختلف كثيرا مع الكاتبة د. فاطمة ناعوت في بعض مقولاتها واتجاهاتها الفكرية والسياسية لكني مؤمن تماما بحرية التعبير التي أتاحها الدستور لكل مواطن في حدود القانون، ولدي قناعة أشد أن حرية الرأي والتعبير يجب ألا تقابل في القانون بالحبس وتقييد الحرية، وفي نفس الوقت فأنا أقدم كامل تقديري واحترامي لمنصة القضاء المصري الشامخ الذي يحكم بما لديه من أوراق وقوانين تم تشريعها، وبعض من هذه القوانين يجب أن يعاد بشأنها النظر من السادة النواب الذين انتخبناهم بعد ثورتين غيرتا الكثير من المفاهيم والممارسات الفعلية بشأن حرية الإبداع وحرية الرأي والتعبير، وفي مقدمتها قانون ازدراء الأديان المختلف عليه من فئات كثيرة في المجتمع، ويتطاحن بشأنه أصحاب التيار الليبرالي وأصحاب التيار المتزمت !
هناك رجال دين أفاضل لهم موقف معارض لهذا القانون الذي حكم به علي الكاتبة فاطمة ناعوت بالحبس ثلاث سنوات، ومنهم د. سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، الذي بادر بمطالبة مجلس النواب بإعادة النظر في القانون بحيث يكون مقصورا علي الفتنة ما بين الملل وبعضها، لافتا إلي أنه كان هناك ازدراء أديان في عصر النبي صلي الله عليه وسلم، أكثر مما هو موجود الآن، لكن النبي تعامل مع ذلك الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقال إن ظهور الجمعيات الشرعية والسلفيين والإخوان أدي إلي تجريف الخطاب الديني السليم علي مدار 100 سنة، موضحا أن هناك حالة من الجمود منذ ظهور الجمعية الشرعية والتي رأت كافة مساجد مصر «بدعية» ومساجدهم فقط هي الشرعية، وأشار إلي احتلال الإخوان والسلفيين والجمعية الشرعية، الشارع، في كل القري والمناطق الشعبية، مشددا علي ضرورة وجود خطة استراتيجية لتصحيح العقلية المصرية من القاعدة، من خلال الشارع والأزهر وجيشه التنويري الذي يصل عدده عشرات الآلاف من التنويريين الذين يجب استثمارهم لمواجهة السلفيين والإخوان.
وقد بادرت د. آمنة نصير أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب بتقديم اعتذار للكاتبة فاطمة ناعوت، عقب الحكم الصادر ضدها بتهمة ازدراء الأديان، واصفة مقيم الدعوي القضائية بـ «رجل فتنة»، ووجهت رسالة لمقيم الدعوي القضائية قائلة: «أنت ليس لديك محبة لله، ولا للأديان السماوية، ولم تحترم علاقة الإنسان بربه»، وكررت اعتذارها لناعوت قائلة :»إحنا في حاجة إلي الجمل اللغوية الصحيحة، فالمتربصون كثر، وهو أمر مخجل عرفته القرون الوسطي» !
ودخل علي الخط د.جابر عصفور وزير الثقافة السابق مؤكدا أن الحكم يخالف مواد الدستور الحالي الذي ينص علي حرية الفكر والإبداع، مطالبا البرلمان بممارسة دوره لأن قانون ازدراء الاديان، من وجهة نظره، أحد القوانين التي صدرت في إحدي المراحل المتخلفة من تاريخ مصر الثقافي، والمحامين الذين يرفعون تلك الدعاوي ينتمون لقوي الظلام !
الغريب أن وزير الثقافة الحالي حلمي النمنم الذي قدم نفسه للمجتمع بأنه العدو الأول لطيور الظلام والظلامية افتتح معرض القاهرة الدولي للكتاب بنفس راضية ولم يعلق بكلمة علي الحكم بحبس كاتبة أيا كان خلافنا معها في أفكارها وآرائها، بل إن المعرض لا توجد ضمن فعالياته ندوة واحدة تطالب بمناقشة هذا الموضوع.
نحن مع حتمية احترام الأديان ويجب علي البرلمان إعادة تعديل القانون لتفسير حدود الازدراء من عدمه لكي لا يكون القانون مطاطا، ويجب أن تستبدل عقوبة الحبس وتقييد الحرية بالغرامة في محاكمات العقل والفكر والإبداع.