الشخصنة أحد الأمراض التي ابتلي بها العالم العربي، فمصير الأوطان والحفاظ عليها، أكبر وأهم من أن يرتبط بهذا الزعيم، أو ذلك القائد، وليبيا وسوريا أبرز النماذج

في توقيت متقارب، يبدو أن هناك تحركا دوليا ما، علي صعيد الأزمتين الأبرز في العالم العربي، في جنيف يتواجد وفدان من المعارضة والحكومة السورية، للتباحث حول آليات الحل، تنفيذا لخريطة طريق مدعومة دوليا وإقليميا، ويبدو أن ليبيا قد تجاوزت تلك المرحلة بقليل، بعد ان نجح المبعوث الدولي الجديد مارتن كوبلر، في دفع طرفي الأزمة الليبية إلي توقيع اتفاق الصخيرات المغربية، منذ حوالي شهر ونصف، وإن كان يواجه بعض العقبات، ومنها تحفظ برلمان طبرق المعترف به دوليا،علي التشكيلة التي قدمها فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، مطالبا بحكومة مصغرة من نصف العدد السابق، ولكن العقبة الأهم هي في الماده الثامنة، التي تمنح المجلس الرئاسي مسئولية اختيار المناصب السيادية، ومنها قيادة المؤسسة العسكرية الليبية. وهكذا نحن أمام أزمتين متشابهتين، تعرقلان التوصل إلي حل للمعضلات التي تواجه سوريا وليبيا، وهما مصير بشار الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية، والثانية موقع الفريق خليفة حفتر، وضمانات بقائه في منصبه.
المنطق والعقل يقول إن مصير الأوطان، ومستقبلها واستقرارها، أكبر وأعظم من وجود هذا الشخص أو ذاك، تاريخ سوريا ودورها الحضاري قديم، وستظل بوجود الأسد أو بدونه، وأمل الشعب الليبي في استعادة وحدته، والعيش في أمن وأمان، وإمكانيات تشكيل جيش موحد وقادر علي القيام بمهمته في مواجهة الجماعات الإرهابية، وارد بدون خليفة حفتر،كما أن المنطق الذي يتحدث عن أن سوريا ستنهار إذا ذهب الأسد، أو أن ليبيا ستتفتت إذا لم يكن حفتر علي رأس المؤسسة العسكرية، فيه «تقزيم « لدول عظيمة حضاريا وإنسانيا، كما أن الأسد يتحمل جزءا كبيرا من المسئولية، لأن الأسرة تحكم سوريا منذ أكثر من نصف قرن، فأين هي دولة المؤسسات؟ لقد حول سوريا إلي ملكية، واختصر هذا البلد العظيم إلي طائفته، وقزمه إلي أن تتحكم فيه عائلته.
لقد أضاع الأسد أهم تجربة للتغيير في العالم العربي، من داخل النظام وبإشرافه، وتحت نظره، عندما جاء إلي الحكم بعد والده،، وسط ترحيب جماهيري لدرجة أنه تم تعديل الدستور ليسمح له بالوصول إلي الرئاسة، لصغر سنه عن الأربعين،واستبشر به السوريون خيرا، فهو مدني تعلم في الغرب، حيث كان يدرس طب الأسنان في بريطانيا، وقاد عملية ــ ويالعجب ــ أطلق عليها «ربيع دمشق»، تم السماح فيها بهامش أكبر من حرية التعبير، وتكوين الجمعيات والاجتماعات العامة،وحرية الصحافة والإعلام، ولكن شيئا فشيئا سلم نفسه لمراكز القوي، ومجموعات المصالح،التي انهت هذا الربيع، وعادت «ريما إلي عادتها القديمة «، توغلت الأجهزة الأمنية، وعادت القبضة الحديدية من جديد، حتي جاءت الانتفاضة والتي استمرت سلمية لأشهر طويلة، رغم عنف قوات الأمن في الرد علي الاحتجاجات السلمية، وهو الذي سمح للأمور أن تفلت من يده، فقط لأنه أراد ان يصدر للغرب، أنه يواجه الإرهاب، فسمح بدخول عناصر من الإرهابيين من خارج سوريا، في عملية خلط للأوراق، فكانت سوريا محطة من محطات تنظيم داعش، الذي سيطر علي مساحات شاسعة من البلاد، واستشهد مئات الآلاف من السوريين، وتشرد الملايين داخل وخارج سوريا، ومازال البعض يحاول ان يقنعنا، بأن استمرار الأسد هو ضمانة لوحدة سوريا، وعدم انهيارها.
أما الفريق خليفة حفتر فأمره كله عجب، علاقته بالجيش الليبي منقطعة منذ الثمانينيات، عندما تم أسره، وكان وقتها قائدا للقوات الليبية المحاربة في تشاد، وخرج من الأسر بصفقة مع واشنطن، ليعيش هناك علي أمل ان يكون أداة في يد الإدارة الامريكية، للانقلاب علي القذافي، وعندما تغيرت المعادلة، وتم تطبيع العلاقات بين طرابلس وواشنطن، و خف العداء، عاش الرجل هناك متمتعا بالجنسية الأمريكية، ولم يعد سوي بعد الانتفاضة ضد القذافي في عام ٢٠١١، وسط انقسام شديد في النظرة إليه من قبل الليبيين، بين من يعتبره «المنقذ»، وبين من يرفضه وجوده أصلا في المعادلة الليبية، وساهم في ذلك أنه فشل في كل الشعارات التي رفعها، قال انه سيحرر بنغازي فهاهي أشهر طويلة دون أن ينجز المهمة، وعد بالقضاء علي الإرهاب، وفي كل يوم يتمدد تنظيم داعش من درنه حتي سرت، وهو يخطط للسيطرة علي الهلال النفطي، وعد بتكوين جيش وطني ليبي، فلم يحرز أي تقدم، حتي تحول من أمل في الحل، إلي مشكلة مستعصية مع عدم ثقة الغرب فيه، وفتور الحماسة العربية تجاهه، نحن لسنا ضد حفتر، ولكن نرفض ان يكون عقبة في سبيل الحل، ونتمني ان يكون اللقاء الذي جمعه مع فايز السراج منذ ايام، قد ساهم في توفير الطمأنينة له.
سوريا قد تكون أفضل بدون بشار، وليبيا قد تسترد عافيتها، إذا غاب حفتر عن المعادلة السياسية.