إذا كان تشغيل العاطلين وتوفير خدمة صحية جيدة وخفض أسعار السلع والخدمات، يحتاج إلي مليارات تنوء بحملها الميزانيات، فما الذي يحتاجه احترام كرامة المصريين وعدم بهدلتهم في جميع دواوين ومصالح الحكومة ابتداء من قسم الشرطة إلي فروع البنوك. أتمني أن ترفع الشرطة شعار «من دخل قسم البوليس فهو آمن». لقد أدي خوف الكثير من المصريين من دخول هذه الأقسام إلي حرمان العديد من القضايا وجرائم القتل من شهود وشهادات كان يمكن أن تساعد البوليس في القبض علي الجناة، فكثير من المصريين علي قناعة أنه لو دخل القسم شاهدا، فقد يخرج متهما، أو في أحسن الأحوال سيتعرض للبهدلة أثناء الاستجواب. وكل ذلك مرجعه إلي عدم الثقة بين المواطن والشرطي التي أدت إلي خسارة الطرفين. أعرف كثيرين لم يقوموا باستخراج بطاقة الرقم القومي إلا عندما بدأت بعض الأندية والنقابات والمصالح في توفير استخراجها لمنسوبيها وذلك تجنبا منهم لدخول القسم. ويحتاج إعادة ثقة المواطن في قسم الشرطة ورجل البوليس وأنه لا ملاذ له إذا تعرض لسرقة أو حادثة، إلا هذا القسم، إلي جهد جبار من جانب رجال الشرطة لجعل المواطنين يشعرون بالفعل أن «من دخل قسم الشرطة فهو آمن» ليس شعارا، ولكن هناك سيجد من يعيد له حقه ويحنو عليه، لا من يضربه علي قفاه ويمده علي رجليه. وهذا الأمر يحتاج إلي تغيير عقيدة العمل الشرطي بالتركيز في مناهج أكاديمية الشرطة علي أن المواطن هو ابن وأخ وعم وخال رجل الشرطة وأنه تعلم في هذا الصرح الأكاديمي ليرعي مصالح العباد ويحميهم، لا ليسيء معاملتهم ويعذبهم. أي عكس الدور المنوط به تماما. لقد لاحظت تطورا جيدا، فعلي مدخل عمارتنا وجدت ملصقا من قسم الشرطة وضعوا فيه أسماء وتليفونات العديد من ضباط القسم للاتصال بهم في حالة وجود شكوي، وهو تطور في الاتجاه الصحيح، لم يحدث من قبل، ويحتاج للكثير من الخطوات والجهود الجبارة الأخري من جانب جهاز الشرطة لجسر الفجوة النفسية بين المواطن ورجل الشرطة.
بهدلة المصريين لا تقتصر فقط علي أقسام الشرطة، لكن في مصالح أخري عديدة كان يجب أن تكون بعيدة عن هذه البهدلة وهي البنوك، فمصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تذهب فيها لتودع أموالك (تجلب بقدميك أموالا لهذه البنوك) فتنتظر ساعتين أو ثلاثا، لأن «شباكين» فقط هما من يتعاملان مع الجمهور و10 شبابيك أخري مغلقة، وإذا شكوت لمدير البنك، لن تسلم من عبارات «هي الدنيا طارت» «مستعجل علي إيه» أما الأسوأ فهو التوظيف غير السوي للآية الكريمة «إن الله مع الصابرين». وأينما ذهبتم إلي أي مصلحة حكومية، تدرككم البهدلة إلا إذا جئتم «بوسايط» مشيدة.