أقولها صراحة أن تمرير مثل هذه القضايا المهمة تحت ستار برامج الحماية الاجتماعية المصاحبة للإجراءات الاقتصادية قول حق يراد به باطل

لعل أخطر ما جاء في تعهدات أو وعود الحكومة السبعة في بيانها أمام مجلس النواب تلك المتعلقة بتنويه الحكومة باتخاذ إجراءات وصفتها بالصعبة والضرورية التنفيذ والتي طال تأجيلها لفترات طويلة.
الوعود أو التعهدات السبعة جاءت في مجملها عبارات مطاطية غير مبنية علي برامج محددة للتنفيذ خاصة ما يتعلق بالعمل مع القطاع الخاص وكان من الواجب أن يحدد البيان كيف سيتم هذا العمل.. بالترويع أم الترغيب؟ بالجزرة أم بالعصا؟ بعوامل جذب أم بعوامل طرد؟ بإجراءات واضحة للمستثمرين أم بشباك واحد طال انتظاره دون أن نفتحه أو حتي نواربه؟. وكذلك ما يتعلق بالبيروقراطية والتحول للمجتمع الرقمي فلم يحدد البرنامج أيضا إجراءات ولا توقيتات محددة بل تركها هكذا كل حسب فهمه ونواياه، فحكومتنا تتبع مبدأ الأعمال بالنيات.
تعهدت الحكومة أيضا بتطوير الجهاز الإداري للدولة وتأهيله وكالعادة لم تقل كيف بقانون تم تطبيقه وسط رفض عام له أو بالأدق سوء فهم من الغالبية لمقاصده وإجراءات تطبيقه فعليا، وهو قانون الخدمة المدنية الذي يستحق وصف المتهم البرئ.
وبما يشبه مرور الكرام تطرقت التعهدات بسرعة وبلمح البصر وخفة يد لخدمات التعليم والصحة والمرور وغيرها باعتبارها ستكون صاحبة الأولوية للدولة، بينما خلت تفاصيل البيان من خطط وبرامج للنهوض بالتعليم والصحة اللذين هما أساس أي تنمية فالدول التي نهضت وحققت نجاحات مثل ماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها ما نهضت سوي بثورة في التعليم. أما عن الصحة فحدث عن جدواها بلا حرج فالإنسان هو قوام التنمية ولا تنمية يحققها العليل.. تماما مثلما الأمن والاستقرار والطاقة أساسيات مهمة لجذب الاستثمار.
مربط الفرس في البيان كله ما يتعلق بالإجراءات الجديدة الملحة التي تعتزم حكومة المهندس شريف إسماعيل اقتحامها دون خوف أو وجل رغم اعترافه بأنها تأجلت طويلا وأظنها مثل غيري هيكلة الدعم ولن أقول إلغاؤه أو تخفيضه انتظارا للتفاصيل ولكل حادث حديث، لكن ما أحذر منه هو التأثيرات الاجتماعية التي يثيرها قرار مثل هذا الذي تنتويه الحكومة، فالدعم موجود في كل دول العالم ويصل لمستحقيه وبالكيفية المناسبة والتوقيت الملائم، لكن حكوماتنا المتعاقبة تتخذ من قضية الدعم شماعة لتحمل فشلها الذريع أولا في تعظيم الموارد المتاحة والتي بطبيعتها محدودة وليست مطلقة وترشيد الإنفاق العام.
أقولها صراحة أن تمرير مثل هذه القضايا المهمة تحت ستار برامج الحماية الاجتماعية المصاحبة للإجراءات الاقتصادية قول حق يراد به باطل، فأي زيادة في الضرائب أو الجمارك أو أي رسوم يتحملها المستهلك النهائي دون تفرقة بين وزير وخفير، ويجب أن ننتبه لخطورة تحميل تكلفة أي برامج حماية اجتماعية علي الطبقات الأخري في المجتمع خاصة الطبقة المتوسطة التي كادت تندثر تقريبا في ظل مبدأ توسيع قاعدة الفقراء.
المضحك العجيب أن تقول الحكومة في برنامجها وبالفم المليان أنها تستهدف رضاء المواطن مع أن المفروض أن تلك فرضية بديهية ولا توجد حكومة في العالم أيا كان نوعها «عبيطة أو هبلة أو حتي أم بدوي» تستطيع أن تقول غير ذلك وإلا كانت تضع نفسها فوق قضبان القطار.. أيضا مسألة التركيز علي مؤشر النمو دليلا علي النجاح الاقتصادي في الوقت الذي تجاوز العالم هذا المؤشر بمراحل فهناك مؤشر رفاهة الحياة الذي نحن مازلنا بعيدين عنه بعد السماء عن الأرض وأخيرا مؤشر السعادة الذي نراه من قلة الحيلة وضيق ذات اليد في أفلام إسماعيل ياسين وعادل إمام.. وفي هذا المجال نكتفي بالفرجة والفرحة والدعاء بدوام الحال لأشقائنا في الإمارات الشقيقة التي استحدثت أخيرا وزارة للسعادة.
بدلا من أن تعايرنا الحكومة في بيانها بالزيادة في مبالغ الدعم التي تمثل جانب الالتزام الاجتماعي للدولة أو بالزيادات في مخصصات الأجور والمرتبات عليها النظر بعين الاعتبار للزيادات المتكررة في الأسعار وأخيرا خفض قيمة الجنيه 14 % الأمر الذي يمثل خفضا للرواتب والأجور بالنسبة ذاتها.
علي الحكومة إذا أرادت البقاء لعامين كما توقعت في بيانها أن تفتش خارج الصندوق في حل يوازن بين الأجر والإنتاج ويراعي الزيادة في معدلات التضخم.. والأهم من هذا التفكير في طرق علمية سليمة لإعادة تأهيل العمالة الزائدة في الجهاز الإداري والعمل بجدية وببرامج علمية لترشيد الإنفاق العام. وعندئذ لا لوم عليها من أن تركز علي الدعم أي قوت الغلابة.