الاولي تنتمي إلي زمن مضي، والأخري إلي عصرناالحالي، ينتمي نجيب محفوظ إلي عصر كانت القيم تنبع من داخل التكوين الانساني للفرد، يلتزم بها»‬أخلاقيا» بدون نصوص مسبقة. في الخمسينات تولي نجيب محفوظ الرقابة علي السينما، ونذكر كجزء من جمهور السينما توقيعه علي تصريح العرض الذي كان يسبق أي فيلم، قبل توليه كانت رواية بداية ونهاية ترفض كلما قدمها المخرج صلاح أبوسيف لإجازتها، كان معجبا بالرواية ويريد إخراجها، قال لصديقه الحميم الذي أصبح رقيبا يجيز ويمنع: أنت الآن بيدك الأمر، تفضل اعطني الموافقة، فوجئ بمحفوظ يقول له، »‬لابداية ونهاية.. ولاغيرها» ثم قال موضحا »‬طالما شغلت هذا الموقع لن أجيز عملا واحدا لي..». كان ذلك في الخمسينات، كان زمن القيم الانسانية الراسخة مازال وهذا ميراث طويل للمجتمع المصري والتكوين الاخلاقي للأفراد مازال بعضه سارياعند اشخاص ولكنه لا يشكل منظومة عامة منذ أن بدأ اختلال القيم في السبعينات مع بداية الانفتاح الساداتي وسريان الفساد الذي ثار ضده الشعب في يناير. مما تعلمته من الاستاذ يحيي حقي أثناء رئاسته لتحرير مجلة »‬المجلة» ألا تنشر عنه كلمة أو له طالمايشغل موقع رئيس التحرير، لماذا أستدعي هذه الوقائع؟ منذ أسبوعين رأيت لقاء بين الاعلامي حافظ الميرازي والوزير الاسبق أحمد مكي، الذي تولي وزارة العدل في حقبة الإخوان، وكان شقيقه القاضي ايضا نائبا لمرسي، الميرازي يعد ويقدم برنامجا متميزا للاذاعة البريطانية بي بي سي من مصر، سأله عن انتداب ابنه كقاض إلي دولة قطر، اجاب المستشار أحمد مكي قائلا إن ابنه لم يكن بمفرده انما ضمن عشرين قاضيا تم إعارتهم إلي دويلة قطر، الحقيقة انني لم أقتنع بالاجابة، بل انها تنكأ موضوعا بالغ الحساسية، وهو التوريث في المجالات الدقيقة الحساسة. هذا الموضوع أثير من قبل، خاض فيه الشاعرفاروق جويدة، وتحمل بسببه ما تحمل حتي أصابته أزمة قلبية.من الظواهر الملفتة في المجتمع المصري شيوع ثقافة التوريث في مجالات معينة كتمهيد لتبرير التوريث في المنصب الأول، وهذه الظاهرة قديمة في بعض المجالات، لقد رأيت القاضي أحمد مكي في خروج القضاة من ناديهم عام ٢٠٠٦، كان في المقدمة، وزرت القضاة المعتصمين، كنت مبهورا بهذا التحرك وبشخصيات جليلة قادته منهم المستشار هشام البسطويسي والمستشار زكريا عبدالعزيز وغيرهما. كنت أتمني ألا يكون ابن المستشار مكي بين القضاة المعارين إلي قطر، خاصة ان الاب كان وزيرا للعدل زمن الاخوان، هنا اسأل المستشاراحمد الزند والذي كاد يفقد حياته عندما اعتدي الإخوان عليه ومواقفه العامة معروفة، مشهودة، واقعة كهذه ألا تؤثر علي هيبة القضاء، ولماذا إمداد قطر بالقضاة المصريين، هل كان ممكنا إمداد اسرائيل بقضاة من مصر أو خبراء في أي مجال زمن الحرب، قطر تسخر ثروتها لخراب مصر، والاسلحة تحمل علي طائرات قطرية إلي دول مجاورة، ليبيابالتحديد لتهرب إلي عصابات الإرهاب التي تستهدف الدولة المصرية وفي القلب منهاالجيش والشرطة؟. هل أعدت احدي مؤسسات الدولة المعنية بحثا أو دراسة عن ظاهرة توريث المهن في مصرخلال العقود الاخيرة، أتمني ذلك، ولكن ما أتمناه اكثر الاجابة عن الاسئلة الحائرة، ليس عندي فقط، ولكن عند كثيرين والتي طرحتها أمس واليوم متوجها بها الي المستشار المحترم أحمد الزند رئيس نادي القضاة.