للأسف كشفت لنا الأيام والسنوات القليلة الماضية عن أناس يحسنون التلون والمخادعة، ويطيرون خلف كل ناعق، بلا حياء من الله، ولا من الناس، ولا من النفس في ظل حكم الأهل والعشيرة انقسم المجتمع إلي فئات وطبقات وشرائح متعددة، منها : المقاومون، ومنها الصامدون، ومنها الصامتون، ومنها المخدعون، ومنها المترددون، ومنها الممالئون، ومنها المهرولون، وعلي رأسها المستفيدون والمنتفعون . فالصامدون هم من حافظوا علي مبادئهم، ووقفوا عند ثغورهم، لم يفرطوا ولم يستسلموا لطغيان الإخوان السلطوي الإقصائي لغير الأهل والعشيرة، أما المقاومون فكانوا أعلي درجة وأبعد همة، فلم يقف دورهم عند حد الصمود، بل تجاوزه إلي حد المقاومة، وقد ضاق الفصيل الإخواني بهذا الفريق المقاوم، وكان قد أعد العدة للخلاص منه، ولكن الله (عز وجل) عجل بالإخوان وعهدهم، فلم يتمكنوا من التنكيل بهؤلاء المقاومين، ولا حتي بالصامدين، أو الصامتين، لأن الإخوان لم يكونوا ليقبلوا غير فصيلهم وجماعتهم، بل كانوا يعدون كل من سواهم إما ناقص الإسلام، أو ناقص الوطنية، أو ناقص الأهلية، فمن أكثر ما جعلني أختلف معهم هو إحساسهم بالتميز علي من سواهم، ونظرتهم إلي غيرهم نظرة احتقار أو استصغار، وكأن الجنة ما خلقت إلا لهم، ولا تؤتي إلا من قبلهم، ولا يمسك بمفاتيح أبوابها سواهم، أما هم فأخطاؤهم مبررة، وذنبهم مغفور، وحجهم مبرور، ولو ارتكبت فيه الكبائر والموبقات . وأما الطامة الكبري فكانت في الممالئين والمنافقين والمنتفعين بل المهرولين بحثًا عن سلطة أو جاه أو مال أو حتي وعد معسول مكذوب، وقد تميز الإخوان بمكر ودهاء منقطع النظير، حيث أوهموا المقربين منهم والمخدوعين بهم بالمن والسلوي والنعيم المقيم في الآخرة، وقد سمعت بأذني من يقول : لو سرتم خلفنا لأكلتم المن والسلوي، كما زعم بعضهم أن رئيسهم المعزول قد صلي بالنبي (صلي الله عليه وسلم)، أو أن جبريل (عليه السلام) كان يرفرف بجناحيه علي إرهابيي رابعة العدوية، وكانوا شأن الشيعة يؤمن أكثرهم بتقية تفوق تقية الشيعة، ويستحلون الكذب للوصول إلي أغراضهم، حتي قال لي أحد الأصدقاء وهو أستاذ بطب الأزهر : أنا صرتُ أعرف الإخوان وأميزهم بكذبهم، وكنت أشك في بعض الناس هل هو إخواني أو لا حتي كذب، فلما كذب تيقنتُ أنه إخواني، فقد ارتبط بهم الكذب وارتبطوا هم به، إلا ما رحم ربي . وأما الحسرة والأسي الحقيقيان فهما أولًا علي المخدوعين المغرر بهم من الشباب والناشئة وبعض العامة الذين هم في أمس الحاجة إلي من يحنو عليهم، ويأخذ بأيديهم إلي طريق الرشاد، وينقذهم قبل فوات الأوان، ومن هنا كان تكثيفنا للقوافل الدعوية في الأزهر والأوقاف، والتنسيق مع وزارات الشباب والرياضة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، ، والثقافة، لإنقاذ هؤلاء الشباب والناشئة من يد المغالين والمتشددين، وأما الممالئون والمنافقون والمهرولون والمنتفعون فهم أكثر الخاسرين، لأنهم راهنو علي ما فيه خسارتهم وخسارة مبادئهم وقيمهم إن كان لهم قيم ومبادئ يحافظون عليها . ونؤكد أن الأعمال بالنيات، فمن كانت نيته لغير الله خاب وخسر في أمر دينه ودنياه، ومن تاجر بدين الله تعالي وطلب الدنيا بعمل الآخرة، مُحي ذكره، وحبط عمله، وأُثبتَ اسمه في أصحاب النار .. وللأسف كشفت لنا الأيام والسنوات القليلة الماضية عن أناس يحسنون التلون والمخادعة، ويطيرون خلف كل ناعق، بلا حياء من الله، ولا من الناس، ولا من النفس، ونأمل أن يكون هؤلاء قد استوعبوا الدرس، وفهموا قول الشاعر : ‎ومهما تكن عند أمري من خلقة وإن خالها نخفي علي الناس تعلم وأن الإنسان قد يستطيع أن يخدع  بعض الناس لبعض الوقت، ولكنه لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت، » .. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ .. »‬ (الرعد : 17) . ولكن المحزن في هذه المرحلة الفارقة في تاريخ وطننا وأمتنا، والتي تقتضي منا جميعًا أن نقف وقفة رجل واحد في مواجهة الإرهاب وقوي الشر والظلام، هو أن بعض الناس مازالوا مخدوعين أو مترددين في وقت نحتاج أن نذود فيه بشجاعة عن حمي الوطن الذي هو القلب النابض للعروبة والإسلام، وهو صمام الآمان لأمتنا العربية، وعمود خيمتها، فالأمة العربية بخير ما دامت مصر بخير، والإسلام بخير ما دامت مصر بخير، ومصر بخير ما دام الإسلام فيها بخير، فمصر برجالها، ونسائها، وشبابها، وفتياتها، وعلمائها، وأزهرها، وكنيستها، وقواتها المسلحة، علي قلب رجل واحد في مواجهة الإرهاب والإرهابيين، وهي بهؤلاء جميعًا علي قدر المسئولية والتحدي . ومع ذلك كله هناك من يراهنون علي الحصان الخاسر، ويتوجسون من الوهم، ويخشون أن تدور الأيام إلي الخلف، فلا تجد لهم موقفًا واضحًا، وهناك من هو علي استعداد لأن يتحالف مع العنف والإرهاب، ومن تبنوا العنف والإرهاب مسلكًا، أو مع بقايا الفصائل المتشددة أو الإرهابية، أو ما يعرف بالخلايا النائمة لها، دون تقدير صحيح للمصلحة الوطنية، ونقول لهؤلاء جميعًا : أفيقوا، ولا ترددوا، وأدركوا الواقع، فإما أن نكون أو لا نكون، أما إمساك العصا من المنتصف فذلك عصر قد ولي إلي غير رجعة .