في باريس مقر السفارة المصرية، جري احتفال بسيط ، عميق الدلالة ، جري خلاله تسليم أوراق الصحفي والمفكر الفرنسي جان لاكتور إلي مكتبة الاسكندرية، جان لاكتور مثقف فرنسي شهير عمل بالصحافة، وكان أحد ثلاثة إذا أراد الرئيس جمال عبدالناصر مخاطبة العالم يدعو أحدهم لاجراء حوار ينطلق من فرنسا حاملا آراءه، الآخران هما آريك رولو المصري الأصل، مولود في شبرا وفي المرحلة الاخيرة من عمره اختارته الدولة الفرنسية سفيرا في تونس، كان مديرا لتحرير لوموند، الصحفي الاخر بول بالطة وهو سكندري المولد، كان مسئولا عن الشرق الاوسط في لوموند ويعتبر من الخبراء في العالم العربي، ورغم مرضه وتحركه علي كرسي فإنه مازال يمثل خبرة كبيرة بالنسبة للدولة الفرنسية، رأيه فيما يتعلق بالعالم العربي مسموع ومحترم، تلك أول ملاحظة من هذا الاجتماع أو الحفل البسيط الذي كان جزءا من أنشطة الاسبوع الثقافي الذي أقيم بواسطة بلدية باريس تحت عنوان »‬التعددية الثقافية» وكانت مصر ضيف الشرف لهذا العام، الملاحظة هي أن الدولة الفرنسية تستعين بكل الكفاءات التي عملت في خدمتها واكتسبت خبرة خاصة، هذا البعد جزء من النظام العام للدولة، يؤكد ذلك حضور السفير بيير هانت الذي مثل فرنسا في الثمانينيات وكان أحد أعظم سفرائها إلي مصر، وفي عام ١٩٨٧ قلدني وسام العلوم والفنون والآداب من طبقة فارس، ولم أحضر مناسبة ثقافية في فرنسا تخص مصر إلا وكان ماثلا فيها، جان لاكتور الآن في الثالثة والتسعين ، مريض ، نجح الباحث المصري الدكتور أحمد يوسف في اجراء حوارات طويلة معه، والحصول علي رسائل ووثائق مهمة منه، ضمنها كتاب صدر مؤخرا، أعد نسخة من الوثائق لتسليمها إلي مكتبة اسكندرية التي مثلها السفير علي ماهر أحد أكبر السفراء الذين مثلوا مصر في فرنسا، وكان من أولوياته البعد الثقافي الذي يشكل ركنا رئيسيا في العلاقات المصرية الفرنسية، وأذكر خلال سنوات خدمته أنه لم يغب قط عن أي نشاط ثقافي مثلت فيه مصر، حتي إنني كنت ضيفا علي مدينة انفلور في أقصي شمال فرنسا، فوجئت بحضوره من باريس مع المستشار الثقافي وقتئذ الدكتور عثمان لطفي. حضر الندوة وعاد في نفس الليلة قاطعا أكثر من خمسمائة كيلومتر، الحقيقة إن مؤسسة الخارجية المصرية من الاعمدة الاساسية للدولة وما تزال، جميع السفراء الذين تعاقبوا علي باريس كانوا اكفاء ويقدرون الثقافة باستثناء فترة الاخوان، إلي جانب السفير علي ماهر كان السفير الحالي إيهاب بدوي مثالا علي التواصل فهو مثقف كبير شاء قدره أن يمثل مصر في ظروف دقيقة غير أن أداءه الرفيع مما يثير الأمل، أما فيما يخصني فقد كان لقائي به مثيرا لمشاعر خاصة وعامة لعلي أشرحها صباح الخميس.