فوجئت باتصاله بي هاتفيا، هو لم يكن طالبا شخصي، ولكن كان بداخله شحنة غضب يريد أن يخرجها، بعد أن جثمت علي صدره وجعلته يشعر بالاختناق! قال: أنا موظف بإحدي الهيئات الحكومية.. قضيت عمري أؤدي عملي المكلف به بكل دقة وأمانة، وأرعي ربي وضميري في كل قرش يدخل جيبي، فقد ظل هذا مبدئي في حياتي حتي تلك اللحظة التي أتحدث إليك فيها، والتي أقترب فيها من بلوغ سن المعاش ببضعة أشهر. وأضاف محدثي: عايشت الكثير من المواقف الصعبة خلال سنوات عملي، ولكنها كلها تأتي في كفة، وما عايشته خلال الأعوام الثلاثة الماضية في كفة أخري. فلم يعد هناك أي وازع أو ضمير في العمل، فمن يعمل كمن لا يعمل، بل علي العكس، فإن من لا يعمل يحصل علي كل حقوقه وتزيد، ولا أحد يحاسب ولا عقاب لمقصر، كل هذا ربما يكون مقبولا لو جاء من هم في مثل عمري، قضوا حياتهم يعطون وبلغوا مرحلة عدم القدرة علي العطاء، ولكن عندما يأتي من شباب، فإن الأمر ينذر بكارثة حقيقية.. وهذا ما يؤلمني ودعني أروي لك تجربة مررت بها من شاب في عمر أولادي، فمنذ أن التحق هذا الشاب للعمل معي، وهو يصر علي عدم الانضباط، يحضر وينصرف وقتما يشاء، دون أن ينجز شيئا، فقد حاولت مرارا وتكرارا تصويبه والحديث معه عن قدسية العمل، دون جدوي، ولم أكن أسمع منه سوي كلمات الاستهزاء والسخرية مما أقوله! فد استمر هذا حال الشاب، واستمرت محاولاتي معه، أملا في تغييره، إلي ان جاءت لحظة الصدمة لي، عندما تغيب عن العمل في وقت لم يكن يصلح فيه تغيبه، فكانت ثورتي عليه، فقد فوجئت به يتحدث إليّ ثائرا ومنذرا بألا أتحدث معه مرة ثانية حول انتظامه في عمله وقال باللفظ الواحد: "انس بقه حكاية الولاء والانتماء.. هذا الكلام كان أيامكم أنتم.. أما الآن فنحن لا نعرف عنه شيئا"؟!.. وقعت عليَّ كلمات الشاب، كمن ألقي حجرا كبيرا علي رأسي، وشعرت بأنني أصبت بفقد النطق، فلم استطع الرد عليه بكلمة واحدة وظللت أنظر إليه في ذهول! كيف يمكن ان يكون ذلك هو فكر شاب صغير في مقتبل العمر، ولو ان هناك من هم مثله فأي مصير نواجهه؟ والتساؤلات كثيرة راح محدثي يسردها وهو علي غضبه الشديد حتي إغلاق الاتصال. مؤكد أن الرجل علي حق في غضبه، فما ارتكبه الشاب ليس مجرد تقصير في العمل، أو تطاول علي من هو أكبر منه سناً، ولكن الخطأ أفدح عندما يهزأ الشاب من الولاء والإنتماء لعمله مصدر رزقه. ومؤكد أيضا أن سلوك فرد أو عشرات، لا يعد تعميماً، فهناك النخبة العظمي من الشباب تقدر قدسية العمل وتملك الطموح والإرادة لاثبات ذاتها. يجب أن ننتبه إلي وجود مثل هذه النوعية من الشباب، حتي لو كانوا قلة، علينا مسئولية تصويبهم وهي مسئولية مجتمع بأثره تبدأ من الأسرة والمدرسة مروراً بكل أجهزة الدولة مرحلة البناء التي يشهدها بلدنا نحتاج إلي كل يد ليرتفع البناء وتعلو مصر.