الأربعاء الماضي. مع بلوغ موجة الحر ذروتها. كانت القوات المسلحة تحتفل بيوم الحدود . سلاح حرس الحدود من أقدم الوحدات العسكرية في التاريخ البشري. لم تعرف حضارة إنسانية قدسية الحدود كما عرفت ذلك الحضارة المصرية. ما من بلد حدوده واضحة محددة مثل مصر، يمكن أن تقف بقدم في الحياة »‬الزرع الأخضر» وقدم في العدم »‬الصحراء»، ما بين الأخضر والأصفر تسعي المصائر والأرواح، قبل إيغالي في تأمل معني الحدود، أحاول ذكر ما جال بخاطري في ذلك اليوم الحار جدا والذي بلغت فيه الموجة الاستثنائية أقصاها. كنت أفكر في رجال الحدود المنتشرين في مناطق وعرة من الصحراء بعضها ربما لم يطأه بشر من قبل، فوق المرتفعات الصخرية، في الرهاء، عبر الدروب التي لا يعرف أسرارها إلا هم وقصاصو الأثر الذين يمكن أن يعرفوا داخل الانسان من أثر قدميه علي الرمال أو الصخر أو في الزرع. عيد سلاح الحدود لا يخص الجيش وحده، إنه عيد وطني بكل المعاني العميقة والمرتبطة بالوجود، ما وصلنا منه في ذلك اليوم بيان المتحدث العسكري الذي يذكر بدقة صارت مصدرا للمصداقية والدقة نتائج جهود الجيش ممثلا في سلاح الحدود، حوالي ألف طن مخدرات، آلاف القطع الحربية من رشاشات وألغام ومواد متفجرة وآلات متقدمة وأنفاق تحت الارض طول بعضها أكثر من اثنين كيلو متر بارتفاع خمسة عشر مترا، أي ضعف مساحة طريق الشانزليزيه في باريس. إمكانيات دول كبري تستهدف مصر الكيان والدولة الآن. كان حرس الحدود مقدمة للجيش الضارب طوال تاريخه، يحرس الحدود من المتسللين وخاصة المهربين، الآن تقع عليه مسئولية جسيمة، فلأول مرة في تاريخ الدولة يصبح مصدر الخطر الجسيم من أربع جهات أساسية وليس من الشرق فقط، مصدر التهديد الرئيسي التقليدي، الآن يأتي الخطر الارهابي من حدود يصل بعضها إلي امتداد طوله أكثر من ألف وخمسمائة كيلومتر، البحر أيضا أصبح مصدرا للخطر، تحتاج هذه المسافات إلي معدات متقدمة جدا لا تتوافر إلا للدول الكبري، سلاح الحدود يعتمد علي خبرته الطويلة والكفاءة البشرية العالية وما تيسر من معدات ، النتائج ضخمة ويكفي زيارة صفحة المتحدث العسكري للجيش العميد محمد سمير للاطلاع علي ثمار جهود رجال سلاح الحدود والتي من نتائجها ذلك الأمن الذي نشعر به يوميا ولا نلم بمصادره، أولئك الرجال الذين يرابطون في ظروف طبيعية ومناخية قاسية لكي نأمن، لو أن هناك رؤية متكاملة للدولة لجري الاحتفال بيوم الحدود علي مستويات عديدة، زيارات من طلبة المدارس إلي المواقع الحدودية النائية، درس أول في جميع المدارس حول معني الحدود في الفكر المصري والتاريخ المصري، مصر ربما يكون البلد الوحيد في العالم الذي لم تتغير حدوده علي مر العصور، وهذا كله بفضل أولئك الرجال الذين يتوارثون حماية حدود مصر المقدسة.