كنا نجلس إلي مائدة مستديرة، قادة عسكريين كبارا ورؤساء جامعات واثنين من رؤساء التحرير، ننتظر مع غيرنا من الحضور دخول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي القاعة الكبري بمقر قيادة القوات البحرية في رأس التين. مدخل الحديث بيننا، كان ما شاهدناه لتونا في ميناء الاسكندرية المجاور، وهو الترسانة البحرية التي افتتحها الرئيس في الصباح الباكر بعد تطويرها، بل إعادة انشائها. معجزة تقريبا جرت علي يد القوات المسلحة في هذا المكان. كانت الترسانة في حالة انهيار، وعرضتها الدولة للبيع، لكن القوات المسلحة حفاظا علي هذه المنشأة الحيوية لاقتصاد البلاد وأمنها القومي، اشترتها منذ ثماني سنوات، ونجحت في السنوات الأربع الأولي في إعادة تأهيلها إداريا وبشريا وفنيا، ثم قامت في السنوات الأربع التالية بإنشاء ورش بناء وإصلاح السفن بالتعاون مع الصين، لتصبح الترسانة قادرة علي بناء سفن بحمولة تصل إلي 57 ألف طن للسفينة، وعلي اجراء اعمال الإصلاح والصيانة للسفن حتي حمولة 80 ألف طن. ومنذ مطلع العام تعاقدت الترسانة علي بناء سفن تجارية بمبلغ 365 مليون جنيه يرتفع إلي نصف مليار جنيه مع نهاية العام. • • • عرج بنا الحوار إلي استقبال هائل لاقاه الرئيس من عمال الترسانة البحرية الذين أطلوا عليه من أمام مواقع أعمالهم، وهم يهتفون: »‬بنحبك يا سيسي». مع السيسي لم نعد نسمع هتاف الحناجر: »‬بالروح بالدم نفديك يا فلان»، ولا غيره من الشعارات التي يجري تحفيظها علي عجل لأناس يتم تجميعهم لإضفاء حفاوة غير تلقائية علي استقبال بغير نبض! مشاعر الحب التي عبر عنها العمال، ويعبر عنها كل من يجد نفسه أمام السيسي، تضع عليه اثقال مسئولية اضافية، في أن يحقق تطلعات الناس غير المسقوفة، بينما الرئيس نفسه زاد من الأثقال علي كتفيه وهو يقول في آخر اجتماع عقده: »‬إن ما حققناه في أول عام، لا يعادل 10٪ مما أحلم به لبلدي وما يستحقه شعب مصر». كنا نقول في حديث المائدة المستديرة إن الرئيس لا يجد معاناة في قيادة البلد، لكنه يكابد في إدارة الدولة، في ظل ترهل ران علي أجهزتها علي مدار عقود، وفساد عشش في بعض مواقعها منذ زمن، وارتعاش أصاب أيدي مسئولين آثروا السلامة علي جرأة اتخاذ القرار! • • • كأن الرئيس كان يسمعنا، عندما تحدث إلينا في كلمة قصيرة، وصفها هو نفسه بأنها رسالة للجميع! الرسالة كانت مركزة، وانصبت علي رؤية الرئيس للإدارة علي مختلف مستوياتها، وللحق فهي رؤية صائبة. وتتلخص هذه الرؤية في النقاط التالية: • الطرق التقليدية في حل المشكلات، غالبا لا تنجح، وإلا لكانت المؤسسات المتعثرة استطاعت استرداد عافيتها. • المتابعة المستمرة واليومية أساس في إدارة أي عمل لتصحيح المسار ورفع معدلات الأداء. • الفساد ليس مجرد السرقة أو نهب الأموال إنما له أشكال متعددة لا ينبغي القبول بها علي الاطلاق، لأنها تكسر معنويات الناس وتقتل الأمل في نفوسهم. منها: - أن يتولي إدارة العمل من لا يعرف. - أن يستمر في تقلد المسئولية من لا يقدر. - أن يتلاعب مسئول في الميزانيات لإظهار أرباح علي غير اساس. - أن يحجم مسئول عن تطوير موقعه ولا يضع له خطة مستقبلية للتحديث لسنوات طويلة قادمة. - أن تري الخطأ وتغض الطرف عنه وتحجم عن إصلاحه. • لا مكان لمتردد أو خائف من اتخاذ القرار، وعلي المسئول أن يتبع الإجراءات السليمة قبل أن يصدر قراره، وحتي لو تعرض للإيذاء من أجل بلده، عليه أن يتذكر أن هناك من هم مستعدون دوما للموت من أجل بلدهم. عليه أيضا أن يتأكد أنه عندما يتصدي للمسئولية بجدية وفاعلية وإخلاص وأمانة وشرف، فلا يمكن أن يخسر أو يُظلم، فهذه سنة الله في أرضه. • • • أذكر منذ 18 شهراً، حين مال السيسي إلي الاستجابة لرغبة الجماهير العارمة في ترشحه للرئاسة، أنه قال لي : »‬أنا عارف طريقي وشايف سكة بلدي كويس.. المهم أن تعرف الناس أن الطريق شاق وأن حجم العمل المطلوب هائل». ويوم أمس.. الذي بدأه الرئيس ومرافقوه في السادسة صباحا، قال السيسي : علينا أن ننحت في الصخر حتي تقوم بلدنا، وهذه هي فرصتنا. نعم.. إنها فرصة لو أضعناها فلن تعود.