البعض ينظر إلي الإعلام علي أنه إله من صنع الإنسان يطلع علي كل شيء ويقدر علي كل شيء وهو ليس بجسد وموجود بداخلنا وخارجنا ومعنا في كل مكان.
كشفت الأحداث المتلاحقة التي مرت بها البلاد مؤخرا عن ضعف خطير في الإعلام المصري. بين جاهل ومتجاهل ضاعت الحقائق لساعات كادت أن ترسخ اليأس في نفوس المصريين. قلوب المواطنين انتفضت خوفا علي جيشنا في سيناء بسبب تضليل وسائل الإعلام. ولم تهدأ النفوس وتعود الدماء إلي أوردة المصريين إلا بعد بيان القوات المسلحة.
هذا الموقف يؤكد مدي ضعف الإعلام في مصر، عام أو خاص، مسموع أو مرئي أو مقروء، لا فرق، الجميع ارتبك، البعض نقل عن آخرين مغرضين فكاد أن يودي بنا جميعا، آخرون لا بعد سياسي لديهم تخبطوا فيما نشروه أو بثوه. هذا الموقف يعيد مرارا وتكرارا مسألة ضعف الإعلام داخليا وخارجيا.
النظام السياسي مطالب لصالح الدولة وصالحه أن يبني منظومة إعلامية منهجية محترفة يمكنها مواكبة المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد لأن البعض مازال يمارس الإعلام بطريقة بدائية ولم يصله مدي التقدم المذهل في الإعلام الذي جعل البعض ينظر إليه علي أنه إله من صنع الإنسان، يطلع علي كل شيء ويقدر علي كل شيء وهو ليس بجسد وموجود بداخلنا وخارجنا ومعنا في كل مكان. في مصر لم تصل إلي البعض مثل تلك الأمور. كان الإعلام المصري في فترة ماضية فاعلا وليس مفعولا به، صار الآن مجرورا يتبع متثاقلا إعلام دول مجاورة استطاع أن ينقل بلاده من خانة المفعول به إلي خانة الفاعل بينما مصر تستجير بإعلامها ولا مجير لأن القائمين علي إعلامنا غير مؤهلين يمارسون الإعلام علي أنه نوع من الدعاية في صورتها البدائية أي تلميع المسئولين والنشر والبث عنهم بكثافة بدون احترافية الرسالة الإعلامية.
الغائب عن الدولة أو المسئولين بها عن الإعلام أن المسألة أكبر من أن تكون مجرد نشر أو بث، بل عناصر متعددة تتكامل لتشكل الصورة الذهنية عن الدولة داخليا وخارجيا ومن هذه العناصر السينما التي تركتها الدولة للقطاع الخاص أو لأفلام المقاولات بينما الواقع يؤكد أن أزهي عصور السينما المصرية الذي كانت تنتج فيه الدولة أفلام السينما بل إن الرئيس جمال عبد الناصر لاحظ في فترة أن هناك ركودا في مجال السينما وعندما سأل عن السبب قيل له إن الموازنات المالية للأفلام غير متوافرة بسبب ظروف الحرب وأن الممثلين المصريين يعيشون في لبنان يرضون بأي نوع من الأدوار والأفلام لكي يكسبوا عيشهم. علي الفور أمر ناصر بأن تنشأ شركات مملوكة للدولة لإنتاج الأفلام وطلب عودة الممثلين المصريين من لبنان.
لعبت السينما دورا مهما لترويج القيم والعقائد السياسية ورسم بعد اجتماعي وثقافي لتعزيز هوية الدول. ويذكر أن مخرجا سوفيتيا صنع فيلما عن الثورة الشيوعية قال عنه جوبلز داهية الدعاية فيما بعد : « فيلم رائع لا مثيل له في السينما، أي شخص لا يملك خلفية وقناعات سياسية من الممكن أن يصبح شيوعيا بعد هذا الفيلم «. بل إن جوبلز نفسه قال : « هدفي الأعلي والأمثل أن أجعل السينما الألمانية القوة الثقافية المهيمنة في العالم « وهو ما فعلته أمريكا فيما بعد وحتي الآن . أما لينين فقال : « أهم الفنون بالنسبة لنا هي السينما «. وفي عهد ستالين توجه الفن إلي تعزيز أهداف والمثل الاشتراكية وتصوير صراع الإنسان في سبيل التقدم المجتمعي لحياة أفضل.
كل هذه الأمور وغيرها تؤكد أن من يدير وسائل الإعلام باحتراف يملك القول الفصل في الحروب سواء كانت باردة أو ساخنة. وقد استفاد الحلفاء الغربيون من نظريات جوبلز واستغلوا الإعلام بكل مكوناته للسيطرة علي العالم. وقد لا يعلم كثيرون أن مجلتي ريدرز دايجست وناشيونال جيوجرافيك وكذلك شركة والت ديزني للإنتاج الفني ودليل البرامج التليفزيونية من أهم وأخطر وسائل النظام الأمريكي إعلاميا وهو ما يثير تساؤلي : هل يعلم كثيرون مثل هذه المعلومات وغيرها ؟.