كان الأستاذ كامل زهيري يردد دائما علي مسمعي: اقرأ كأنك ترحل غداً، وأكتب كأنك تعيش أبدا.
تذكرت المقولة وأنا أصغي إلي اجابة الأستاذ هيكل عن سؤالي: ماذا تقرأ، بعد أن لمحت إلي جواره كتاب «القاهرة».. الموسوعي للدكتور أيمن فؤاد سيد، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب مؤخرا، قال إنه يقرأ أيضا كتابا صدر في لندن مؤخرا للباحث «أيوجين روجان»، عن سقوط الدولة العثمانية من  ١٩١٤وحتي ١٩٢٠، لاحظ أثناء وجوده في لندن أن هناك ظاهرة في الواقع الثقافي إذ ظهر عدة كتب تتناول المراحل الحرجة في التاريخ والتي جري فيها تماس وصل إلي حد الصدام بين العالم الإسلامي والغرب. هذا الكتاب جزء من هذه الظاهرة، اقتني معظم هذه الكتب وعاد بها، لنلاحظ هنا أن الأستاذ لم يكن في رحلة عادية إلي لندن، بل كان يمر بظروف علاجية دقيقة. غير أن العلاج والوهن لم يقعد الذهن المتوقد عن المتابعة والرصد، وتلك احدي خصائص الأستاذ، الدقة في المتابعة والحرص علي تدبر المعلوماتية، في جميع المجالات، ربما تكون هذه احدي خصائص الصحفي المقتدر التي وظفها عند التعامل مع الثقافة، أذكر أثناء رئاسته لتحرير الأهرام أنه كان يوفد الدكتور لويس عوض إلي العواصم الكبري في أوروبا الغربية، خاصة باريس ولندن، رحلة طويلة تستغرق شهرين يعود بعدها ليكتب لقراء الأهرام عن الظواهر الثقافية الكبري، خاصة في المسرح وحركة النشر، الظاهرة التي رصدها الأستاذ في لندن تتناول وتدرس الزمان والمكان الذي جرت خلالهما حركة تفاعل بين الإسلام والغرب، بالتحديد الأندلس، وصقلية ورودس، ولانني كنت الأسبوع الماضي في اسبانيا وزرت اشبيلية اهتممت بما قاله وتمنيت لو أن حركة الترجمة تابعت هذه الأبحاث ونقلتها إلي العربية، وافقني عندما قلت اننا بمعزل عن حركة الثقافة العالمية رغم وجود مشاريع كبري للترجمة في مصر وبيروت والإمارات والمغرب، جري الحديث عن الكتب والعمارة حدثني عن زيارته إلي القيروان بتونس منذ سنوات.. وزيارته لخزانة الكتب التي تحوي مخطوطات نادرة، سأل عما اذا كانت تحتوي بعض مخطوطات ابن خلدون، قال إنه فوجيء بالمسئول عن المكتبة يتجه إلي أحد الأرفف ويتناول مخطوطا يحوي مقدمة ابن خلدون التي صارت أساسا لعلم الاجتماع الحديث، بدت دهشة الأستاذ هيكل وكأنها تتجدد لحظة حكايته للواقعة. كيف يتم تناول المخطوط الأصلي لابن خلدون بهذه البساطة؟ قدمه الرجل إليه. أنتابته حالة من التأثر، حتي أنه كاد يعتذر عن تقليب المخطوط الذي كتبه ابن خلدون، قال إنه اكتفي بتأمل الصفحة الأخيرة. مازال يذكر العبارة التي اختتم بها ابن خلدون مقدمته التي صارت من عيون النشر الإنساني:
لقد احتسب لي.