بعدما استقال د. أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق من رئاسة حزب الحركة الوطنية المعروف باسم حزب شفيق ، قامت الدنيا في الحزب ولم تقعد. سارع يحيي قدري نائب رئيس الحزب إلي عقد اجتماع للهيئة العليا وللمحافظات لإثناء شفيق عن الاستقالة ، وبعد اجتماع شهد المناقشات المعتادة خرج بتصريح قال فيه إن الهيئة العليا وكل أعضاء الحزب خاصة الشباب رفضوا استقالة شفيق.
لا بأس أن يقال هذا الكلام وأن يتمسك أعضاء الحزب برئيسهم فهم بدون وجوده لا وجود لهم ، لكنه أردف قائلا : إن شباب الحزب المتمسك بالفريق شفيق أكد إن الفريق ليس من حقه الاستقالة ، لأننا - الشباب - يجب أن نوافق أو نرفض.. ونحن نرفض بشدة الاستقالة. كما قال إن وفدا سيسافر إلي الفريق في الإمارات لكي يقنعه بالعدول عن الاستقالة.
كلام جميل وكلام معقول يعبر عن حالتنا كمصريين. يعبر عن ضياعنا لو تخلي عنا الربان. يذكرنا - مع الفارق الكبير جدا - بحالة تنحي الرئيس جمال عبد الناصر.. وبعدها خرج الشعب يقول له : « لا تتنحي «. والمفارقة أن الفريق شفيق أسس الحزب وهو خارج مصر ولا يعرف حتي مقره ولا يعرف شخصيات كثيرة انضمت للحزب. وهو يبدو كأب أنجب طفلا وغادر إلي أكل العيش تاركا طفله في أيدي لا تعرف تربية الأطفال. كان الدكتور إبراهيم درويش رئيسا للحزب وكان علما التف حوله الكثيرون يريدون نجاح التجربة ، لكن البعض في الحزب لم يرض بمكانة الرجل وقدرته علي الجذب فقرروا أن يجذبوه إلي خارج الحزب ومضي الرجل بعيدا عن الغوغاء ومحترفي حشد أعضاء المحافظات لتشكيل هيئة الحزب.
أقول إن الفريق شفيق عندما ترك حزبه إنما تركه في يد من لا يعلمون ولا يقدرون فانغمسوا في المناقشات البيزنطية حول جنس الملائكة : هل هم ذكور أم إناث حتي جرفتهم الأحداث الحزبية وبدلا من أن يكونوا في المقدمة كما هو مأمول تقهقروا ولم يعودوا في الدرجات الأولي.
ربما تكون السابقة الأولي في العالم أن يؤسس شخص ما حزبا ويديره بينما لا يعرف أي شيء عنه أو كيف يدار تاركا إياه لغير القادرين علي إدارة حزب كان مؤملا أن يدفع بالحياة الحزبية لا أن يساهم في تقهقرها كما حدث بالفعل بسبب المراهقة السياسية التي مارسها القائمون علي الحزب. كل ترك الآخر يعيث كما يحلو له وتفرغ أحدهم للظهور في الفضائيات والصحف فغرق في سكرة الشهرة وصار مصيره غامضا إذا ما تركته الأضواء ، لذلك سعي هؤلاء سعيا حثيثا لإثناء الفريق عن استقالته وهم يعلمون علم اليقين أن شفيق لن يعود في الوقت الحالي ، لكنهم يتمسكون بوجودهم ، فلولا شفيق وهذا الحزب لما كان لهم ذكري. من اللافت أن أحدهم كان قدم استقالته وزوغ إلي حزب آخر من الأحزاب الساداتية لكنه لملم أشلاءه وعاد مهرولا إلي حزب شفيق حتي يغنم مما قد يحدث في حالة أن قبلت الهيئة العليا استقالة شفيق ورغبت في ترشيح آخر للرئاسة.
إن القول بالتمسك بشفيق رئيسا لحزب أمر مقبول علي المستوي الشخصي والحزبي ، لكن الحقيقة أن هذا التمسك يؤكد أن بعضنا إذا لم يجد لنفسه إلها.. خلقه.. وإذا كان أحمد شفيق لا يسأل عن سلوك أعضاء حزبه ولم يوجههم إلي شيء معين إلا أن أعضاء حزبه أرادوه سوبر مان فوق البشر كما فعلت الشعوب والجماهير مع العديد من الحكام ، بعضهم حول الحاكم إلي إله أو سوبر مان بدون أن يدعي الشخص نفسه هذه الألوهية أو التفرد كإنسان وهذه سمة من سمات التخلف الاجتماعي والفكري وإن كنت أعفي البعض من حكاية أنهم لديهم فكر أصل. هي ظاهرة لا ننفرد بها في مصر وإن كنا قد عولنا علي أن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال السنوات الخيرة قد تكون غيرت من العقليات التي تسعي بإرادتها إلي العبودية والتبعية