عندما أخبرني الأستاذ هيكل بظهور عدة كتب في لندن تتناول ظاهرة التماس بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية في مناطق لها أهمية خاصة في التاريخ مثل الأندلس وصقلية وبعض جزر المتوسط اثار هذا عندي ملاحظة تكونت نتيجة معايشة للتراث العربي. ملخصها أن ذروة الثقافة العربية ظهرت في المناطق التي كانت هدفا للغزوات واحتلها العرب، ثمة منطقتان بالتحديد. هما ما وراء النهر، أي فارس القديمة، ما يعرف بوراء النهر، من هذه المنطقة جاء ابن سينا والإمام الغزالي صاحب «احياء علوم الدين» و«فخر الدين الرازي» وعمر الخيام أحد أعظم شعراء الإنسانية والذي يذهلني تشابه الرؤية بينه وبين أبي العلاء المعري، خاصة فيما يتعلق بالموت والوجود، العلوم نشأت من هناك ومازلت أذكر وصولي إلي سمرقند وزيارتي للرصد الذي أسسه عالم الفلك اولوج بك. أما آخر فيلسوف عظيم قدمته الفلسفة الإسلامية فهو صدر الدين الشيرازي وفي مكتبتي ركن يحتوي كافة مؤلفاته وما كتب عنه، وفي حدود ما أعلم لم تعد عن أعماله الا رسالة دكتوراه في كلية أصول الدين بالأزهر لفضيلة الشيخ محمد عبدالفضيل القوصي. في الاندلس ونتيجة لتفاعل الثقافة العربية مع الثقافة الاسبانية اثمرت أعظم القامات  الفكرية. اهمها علي الاطلاق الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، الذي اعتبره ذروة الفكر العربي الفلسفي والوجداني، كذلك ابن خلدون، وبن رشد، لماذا ازدهرت الثقافة العربية بعيدا عن شبه الجزيرة التي لم تعرف ثقافتها تفوقا إلا الشعر؟ طرحت السؤال علي الاستاذ هيكل فجاءني الجواب بسرعة:
«لأن هذه المناطق كانت بعيدة عن المركز، مركز الخلافة في دمشق أو بغداد».
اجابة موجزة، غير انها ثاقبة، ويمكن أن تكون بداية لإعادة النظر في تاريخنا كله، ويستدعي ذلك عندي رغبة في امكانية بدء ما يمكن تسميته مراجعات، خاصة أن مثلي يقف علي مرمي النظر من الحافة، كم من أمور اعتبرناها مسلمات في بداياتنا ولكنها تبدو الآن علي النقيض، كانت تحكمنا أحادية الرؤية، وليس أخطر علي الفكر من أحادية الرؤية، اذكر خلال احتفال الأهرام بعيد ميلاد الأستاذ أنه دعا إلي تشكيل فريق بحث من الشباب لوضع رؤي جديدة للمجتمع، للواقع الحالي وما ينتظره في المستقبل، تحمس الأستاذ أحمد السيد النجار وطلب من الأستاذ أن يشرف علي هذا الفريق، غير أن ذلك لم يتحول إلي خطي عملية حتي الآن، ولو جري ذلك التكامل بين رؤية الأستاذ وثقابة فكره وإحاطته بالعالم وما يجري فيه ورؤي الشباب المنطلقة من منابع مختلفة تماما عن رؤي الأجيال السابقة  أتصور أن ذلك سوف يثمر عن أسس قوية للتطور. شرط المكاشفة التامة، والمراجعة الدقيقة المتجاوزة للرؤي الضيقة التي يتخندق فيها كل فريق، هذه افكار سريعة ابسطها من خلال تداعيات عديدة لحوار متصل مع اكبر عقلية ثقافية في واقعنا الآن