رحل إلي عالم الخلود الرجل الذي كان نموذجا للبذل والعطاء في خدمة هذا الوطن لسنوات طويلة كانت بدايتها ثورة يوليو ١٩٥٢ التي شارك فيها اعدادا وفي فعاليات أحداثها.

رحل الدكتور محمد عبدالقادر حاتم رائد نهضة مصر الاعلامية والثقافية والسياحية. ان أحدا لا يمكن أن ينكر بصماته التي جعلت منه علامة بارزة في المعركة الإعلامية التي خاضتها ثورة يوليو ضد العدوان الاستعماري الثلاثي بعد تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦. كما انه كان ايضا وراء تحقيق انجاز اقامة أول محطة للارسال التليفزيوني في الشرق الأوسط وإنشاء المبني الظاهرة الموجود علي كورنيش النيل الذي تم منه بث برامجها التليفزيونية.. كما أنه مؤسس الهيئة العامة للاستعلامات وكذلك وكالة أنباء الشرق الأوسط.

ولابد أن يذكر له كل المثقفين في مصر مبادراته في نشر كتب التراث وروائع الفكر العالمي علي نطاق واسع وما قدمه لصناعة السينما من دعم ومساندة واقامة عشرات المسارح التي كانت تقدم كما هائلا من المسرحيات الدرامية والتاريخية والكوميدية.. تعد فترة توليه مسئولية وزارات الإعلام والثقافة والسياحة من أثري الفترات   في كل هذه المجالات. ان سجل انجازاته لصالح صناعة السياحة تضمن اقامة العشرات من الفنادق في مناطق مصر الثقافية والشاطئية مما ساعد علي استقبال مئات الآلاف من السياح.. ويحسب له أيضا في هذا المجال انه أول من كان له فضل الترويج للسياحة الاجتماعية التي فتحت الباب أمام الارتفاع الهائل في عدد السياح الوافدين لقضاء الإجازات في مصر.

ولا يمكن أن ينسي للراحل العظيم الدكتور حاتم الدور الوطني الاحترافي الذي قام به في الاعداد لحرب أكتوبر عام ١٩٧٣. لقد كلفه الرئيس الراحل أنور السادات خلال هذه الفترة بالقيام بأعمال رئيس الوزراء وتحمل مسئولية اعداد الدولة للحرب. تولي التخطيط لعملية الخداع لاخفاء الاستعدادات التي تجري في هذا الشأن. كان لهذه الخطة النصيب الأكبر في مفاجأة العدو الإسرائيلي والانتصار عليه. وأسند إليه بعد ذلك الاشراف علي المجالس القومية المتخصصة حيث قام باعداد تقارير ودراسات غير مسبوقة في كل المجالات التي تساهم في تحقيق نهضة مصر.

لا تقتصر السيرة العطرة للدكتور حاتم علي ما قدمه لهذا الوطن ولكن كان أيضا مثالا للطهارة وعفة اللسان وتجنب الحاق أي أذي بأي إنسان عمل أو كان علي صلة بالمسئوليات التي كلف بها.. كان لسانه لا ينطق إلا بكل ما يحمل الخير مع  من تعاملوا معه.

وفيما يتعلق بطهارة اليد وقناعته بما أنعم الله به عليه من رضاء.. أذكر أنه حكي لي منذ حوالي ثماني سنوات انه كان قد حجز قطعة أرض مساحتها ٦٠٠ متر في القاهرة الجديدة لصالح أبنائه وأحفاده. وقد فوجئ بخطاب من وزارة الإسكان يتضمن قرارا بسحب الأرض منه علي أساس أنه لم يرد علي خطاباتها بشأن بدء البناء. ثبت بالتحقيق انه قد جري تعمد ارسال هذه المراسلات إلي عنوان خطأ حتي يمكن تبرير سحب الأرض. وقد تدخلت لدي وزير الإسكان في ذلك الوقت أحمد المغربي بحكم صلتي به لإعادة قطعة الأرض إليه. ولكنه صدمني بادعاء أنه لا يمكنه التدخل.

هذه الصدمة انعكست علي علاقتي بالمغربي الذي كنت أقدره وأعتز بصداقته. وعندما أخبرت الدكتور حاتم بهذا الموقف قبل الأمر بصدر رحب ورفض ان يتصل بأي مسئول لاستعادة هذا الحق.

كان غريبا ان يحدث هذا السلوك مع هذه الشخصية الفريدة التي قدمت لبلدها ما لم يقدمه أحد في الوقت الذي كانت فيه الأراضي تقدم بمئات الآلاف من الأمتار لأعضاء مافيا الأراضي المحسوبين علي النظام الذي كان يعمل أحمد المغربي في إطاره.

الشيء المثير في حياة عبدالقادر حاتم أنه كان يفرح ويسعد حتي آخر يوم في حياته بكل خبر يسمعه أو يقرأه عن عمل أو إنجاز يساهم في رفعة وطنه.

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم في حياته لوطنه وأهل بلده «إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون».