إذا كان لدي المسئولين عن القنوات التليفزيونية بقية من عقل، فلابد أن يكون هذا الموسم هو الأخير في فوضي المسلسلات التي تتكدس في رمضان بهذا الشكل المخبول الذي تضيع معه أي متعة، خاصة عندما يتوافق ذلك مع فواصل الإعلانات التي تجعل الفرجة علي مسلسل ما نوعا من التعذيب أو الانتقام من المشاهد الغلبان.
ما يقرب من أربعين مسلسلا مصريا يضاف إليها اكثر من عشرين مسلسلا عربيا وأجنبيا تطبق علي أنفاس المتفرجين بلا رحمة. العدد ليس كبيرا ونحتاج لما هو أكثر من الانتاج المحلي لانعاش هذه الصناعة الهامة، ولكن علي ان تتوزع علي مدار العام، لا أن تتكدس في الشهر الكريم فنبدو وكأننا أمة لا تفعل شيئا إلا الجلوس أمام التليفزيون ومتابعة مسلسلات تقطع كل مشهدين لكي تنهال فواصل الإعلانات المستفزة التي لا تقدم دليلا علي نجاح المسلسلات بقدر ما تقدم الدليل علي سباق حرق الأسعار!!
الجميع خاسرون في هذا الموسم وأولهم المشاهد الذي غابت عنه المتعة إلا قليلا. بعض القنوات التليفزيونية تتصرف علي ان هذا هو موسمها الاخير. والبعض الآخر ـ رغم الخسائر ـ سيستمر أصحابه في الانفاق عليه لحاجتهم له في موسم الانتخابات. ومن سيبقي عليه ان يكافح لتغيير الصورة ولدفع المتأخرات!!
قبل الشهر الكريم كنت أتصور ان خرائط البرامج في معظم القنوات التليفزيونية ستختلف هذا العام. وأن المسلسلات الترفيهية ستأخذ مكانها الطبيعي لكي تتيح مساحات معقولة للبرامج الثقافية ولمحاولات التجديد في الفكر الديني، ولنشر وعي يتسلح بالعقل لمواجهة أفكار التطرف التي تعبث بعقول شبابنا.
لكن حل الشهر الكريم ولم نر شيئا من ذلك، فقط سيل المسلسلات وحتي البرامج  الدينية لا جديد تقدمه.. بينما اختفي كل ما يحتفي بالعلم والثقافة ويدعو لاستخدام العقل في شئون الدنيا والدين.
ويبقي الأهم..  أن  المشكلة ليست في القنوات التليفزيونية فقط، الدولة كلها تتصرف علي ان رمضان هو شهر الصوم والمسلسلات!! لم يعد الشعار هو «فوت علينا بكره» بل «فوت علينا بعد العيد»!! بدلا من أن يعمل الناس كما يكافح أبناؤنا الذين يحفرون قناة السويس الجديدة لنعوض ما فات، نترك ثقافة تكديس المسلسلات تحكم حياتهم.
وبدلا من أن تنتشر قوافل الثقافة والفنون في كل المحافظات نترك المسارح وقصور الثقافة مطفأه الأنوار. أما السياسة ـ لا سمح الله ـ فقد تحولت إلي مسلسلات هندية. بدءا من مسلسل أحمد شفيق وعنان، وحتي مسلسل القوائم الموحدة التي يتحدث عنها الجميع ثم يستأذنونك في.. «فاصل ونعود»