أرض
من أجل أن مذهب اخواننا، أيدهم الله وإيانا بروح منه، هو النظر في جميع الموجودات والبحث عن مبادئها وعن علة وجدانها، وعن مراتب نظامها، والكشف عن كيفية أرتباط معلولاتها بعللها بإذن باريها، جل ثناؤه، احتجنا إلي أن نذكر حال الأرض وكيفية صورتها، وسبب وقوفها في مركز العالم، وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء من العلوم الشريفة لأن عليها وقوف أجسامنا، ومنها بدأ كون أجسادنا ونشوؤها ومادة بقائها، واليها عودها عند مفارقتها نفوسها وايضا، فإن النظر في هذا العالم يكون سببا لترقي همم نفوسنا إلي أعلا الأفلاك مسكن العليين، ويكثر جولان افكارنا في محل الروحانيين.، وكثرة افكارنا في عالم الأفلاك تكون سببا لانتباه نفوسنا من نوم الغفلة ورقدة الجهالة.
خلود
أعلم يا أخي بأن من دخل الدنيا وعاش فيها زمانا طويلا مشغولا بالأكل والشرب والنكاح، دائما في طلب الشهوات والحرص علي جمع المال والأثاث، واتخاذ البنيان وعمارة الأرض والعقارات، وطلب الرياسة متمنيا الخلود فيها، تاركا لطلب العلم، غافلا عن معرفة حقائق الاشياء، مهملا لرياضة النفس متوانيا في الاستعداد للرحلة إلي الدار الآخرة، حتي اذا فني العمر وقرب الأجل، وجاءت سكرة الموت التي هي مفارقة النفس الجسد ثم خرج من هذا الدار جاهلا لم يعرف صورتها، ولم يفكر في الآيات التي في آفاقها، ولا اعتبر أحوال موجوداتها، ولا تأمل الأمور المحسوسة التي شاهد فيها، فمثلهم مثل قوم دخلوا إلي مدينة ملك عظيم حكيم، عادل رحيم قد بناها بحكمته، وأعد فيها من طرائف صنعته ما يقصر الوصف عنها إلا بالمشاهدة لها.
ووضع فيها مائدة قوتا للواردين إليها وزادا للراحلين عنها، ثم دعا عبادا له إلي حضرته ليمنحهم بالكرامة، وأمرهم بالورود إلي تلك المدينة في طريقهم لينظروا إليها ويبصروا ما فيها، ويتفكروا في عجائب مصنوعاته ويعتبروا غرائب مصوراته، ليروض بها نفوسهم، فيصيرون برؤيتهم ومعرفتها حكماء أخيارا، فضلاء فيصلون إلي حضرته ويستحقون كرامته، فوردها قوم ليلا فباتوا طول ليلتهم مشغولين بالأكل والشرب واللعب واللهو، ثم خرجوا منها سحرا لا يدرون من أي باب دخلوا، ولا من أيها خرجوا، ولا رأوا مما فيها شيئا من آثار حكمته وغرائب صنعته، ولا انتفعوا بشيء منها اكثر من تمتعهم تلك الليلة بالأكل والشرب حسب.
فساد الزمان
عندما يخرج المزاج عن الاعتدال، وانقطاع الوحي، وقلة العلماء، وموت الأخيار، وجور الملوك، وفساد أخلاق الناس وسوء أعمالهم واختلاف آرائهم، يمنع نزول البركات من السماء بالغيث فلا تزكو الأرض، ويجف النبات، ويهلك الحيوان، وتخرب المدن في البلاد، وأعلم يا أخي أن أمور  هذه الدنيا دول ونوب تدور بين أهلها قرنا بعد قرن ومن أمة إلي أمة، ومن بلدإلي بلد.