بالمصادفة البحتة شاهدت احدي حلقات مسلسل «أستاذ ورئيس قسم» الذي يقوم ببطولته عادل امام قائد جوقة الكوميديا المصرية في العقود الثلاثة الاخيرة.
تم ذلك غصبا عني في اطار مقاطعتي لكل البرامج التليفزيونية باستثناء نشرات الأخبار.  كنت انتظر مشاهدة مباراة «الزمالك وبتروجيت» التي جاء موعدها في اعقاب عرض هذه الحلقة من المسلسل.
الحقيقة ان موضوع هذه الحلقة كان وراء إغوائي علي متابعة احداثها.  انها كانت تجسيدا حيا لنزعات النفاق السائدة والتي تعكس السلوكيات الفاسدة في هذا المجتمع الذي نعيش فيه.. لم يقتصر سبب لفت نظري ما شاهدته من أحداث في هذه الحلقة وإنما زاد من جاذبيتها معايشتي لحالة  مشابهة جرت منذ ما يقرب من عقود مضت ومازالت فصولها مستمرة حتي الآن.
المشهد الذي أعنيه يتعلق بالمأتم الذي حضره عادل امام الاستاذ ورئيس القسم بالجامعة الذي يقوم بدور مناضل معارض للأوضاع الفاسدة.  المأتم موضوع الحلقة أقيم لاحد اقرباء رئيس الوزراء وهو ما كان دافعا لجذب طابور المنافقين من الفاسدين وأصحاب المصالح الذين جاءوا استجابة  لنزعة نفاقهم  بحجة المشاركة في عزاء هذا المسئول.  جنح السيناريو من خلال حوار وتعليقات عادل امام مع مرافق له في المأتم  الي المغالاة المتمثلة في رفع الاصوات اثناء الحوار لتأكيد واحدة من اهم مظاهر النفاق التي يزخر بها مجتمعنا.
ان اهم ما حفزني علي الضحك والشعور بالسخرية ما حواه هذا المشهد الذي كان تصويرا لواقع حقيقي عشناها ومازلنا نعايشه ومازلت اعايشه حتي الآن.. تأكدت مصداقية هذا المشهد عندما تذكرت واقعة محددة كنت قريبا منها تتعلق بالمرحوم الدكتور عبدالمنعم القيسوني اشهر وزير اقتصاد لمصر. كان ذلك في فترة الثمانينات من القرن الاخير من الالفية الثانية. كان قد تمت اقالته من منصبه بينما كان في زيارة لبريطانيا التي سافر اليها وسط زفة مقابلة من كبار المسئولين في الوزارة التي كان يشغلها ، وعلي عكس هذا الذي جري وهو يشغل منصبه الوزاري لم يكن في استقباله بالمطار عند عودته سوي سكرتيره الخاص الذي كانت تربطه به صلة قرابة.  اثناء هذه الواقعة التي حضرتها باعتباري كنت مندوبا لجريدة الاخبار في المطار  سمعت بعض موظفي المطار يرددون «حقيقة دي  بلد مناصب».
هذا الذي سجلته يتفق تماما وتعليق عادل امام في المسلسل عما جري في مأتم قرينة رئيس الوزراء. ان هذه اللمة المنافقة ما كان يمكن ان يكون لها وجود لو ان المتوفي هو رئيس الوزراء نفسه.. انه في هذه الحالة يكون قد فقد كل ما  كان يملكه من نفع او ضرر!! حقا ان النفاق اصبح جزءا اساسيا من سلوك الفاسدين والانتهازيين في هذا البلد