هل كان صعبا أن نجد وسيطا يوفق وزارتين في الحلال فلا نجد هذا التضارب في المواقف بعد قرار وزير الزراعة بحظر استيراد القطن من الخارج؟!
القرار رحب به الفلاحون مطالبين بحماية القطن المصري من المنافسة غير المشروعة التي أبقت أكثر من مليون قنطار من محصول العام الماضي في المخازن، بينما تم استيراد نفس الكمية من الخارج من القطن قصير التيلة والأقل جودة (وبالطبع الأقل سعرا) من القطن المصري بجودته العالية.
حلم المصريون بعودة أيام العز التي شهدها القطن المصري وهو يتربع علي عرش الأقطان في العالم ويمثل مصدر الدخل الأول للفلاح، والمحصول الأول في التصدير، قبل أن تتدهور به الأحوال وأوشك علي أن يتحول إلي محصول زراعي منقرض في مصر!!
كان المفروض أن يكون مثل هذا القرار تعبيرا عن سياسة عامة للدولة، وخطط للتعامل مع كل جوانب الموضوع من جانب الحكومة.. لكن ما يجري لا يدل إلا علي أن «الهرجلة» هي سيدة الموقف!!
اتحاد الغرف التجارية اعتبر القرار انتكاسة للسوق الحرة ومدمرا لصناعة الملابس الجاهزة!! بينما شعبة تجارة القطن في نفس الاتحاد ترحب بالقرار وتطالب بحماية الفلاح والحفاظ علي هذا المحصول الهام.
وزارة الزراعة تقول انها تجهز مشروعا متكاملا لحل كل مشاكل القطن المصري وتطوير صناعته لتكون مصر مركزا اقليميا لصناعة النسيج المعتمدة علي القطن المصري الجيد. بينما أصحاب المصانع يقولون انهم لن يستخدموا القطن المحلي لارتفاع أسعاره كما يقول البعض، ولعدم صلاحية الأقطان المصرية طويلة التيلة لماكينات هذه المصانع.. وهو أمر ينفيه تماما رئيس اتحاد الفلاحين الذي يتساءل: وكيف كانت هذه المصانع تعمل عندما لم يكن مسموحا علي الاطلاق باستيراد الأقطان من الخارج علي مدي عقود من الزمان؟!
وبينما يقول مسئولون في اتحاد الصناعات إن القرار خاطئ، ويقول مسئولون عن شركات الغزل والنسيج الحكومية انها ستواجه أزمة كبيرة بسبب قرار الوزير. يقول المسئولون في قطاع الزراعة إن الحملة علي قرار وزير الزراعة تقودها «مافيا» من بضع شركات خاصة تحتكر استيراد القطن لانه أكثر ربحا، رغم أن الدولة تخسر سنويا حوالي ٥٠٠ مليون جنيه لدعم شراء التجار الكبار للقطن من الفلاحين!!
طبيعي أن تتضارب المصالح في مثل هذا القرار.. لكن الطبيعي أيضا أن تكون قد سبقته الدراسة الكاملة بتعاون كامل بين كل الوزارات فيخرج القرار معبرا عن المصلحة العامة.. خاصة إذا كان القرار يتعلق بمصالح ملايين الفلاحين وبمستقبل صناعة رئيسية مثل الغزل والنسيج والملابس الجاهزة.
ولكن.. لأن الطبيعي لم يعد طبيعيا، فإننا نجد أمامنا ما نراه من صراعات حول موضوع من المفترض أنه قد تم حسمه قبل صدور القرار.. ولأن الحسم غائب كما في قضايا كثيرة، يبقي علينا أن ننتظر لنري هل يعود الفلاحون لأيام «نورت يا قطن النيل».. أم تنجح ضغوط المستوردين ويعود قصير التيلة المستورد للمصانع، ويعود القطن المصري للمخازن؟.. فلننتظر ونري!!