ينطوي الصوم علي معني عميق.. هو قبر الغرائز الفردية.. وكبح الأنانية المتأصلة في الإنسان.. ويفترض أن يكون للصوم شهرا كاملا.. تأثيرات لتعميق الإيمان وزيادة القناعة وشحذ الإيثار علي حساب الأنانية.
والعبادات عموما في كل الأديان تهدف إلي إصلاح الإنسان ومعالجة غرور الذات ونزعة الجشع والشره لدي بني آدم.. وكما نعرف فإن السنوات الأولي من بعثة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كانت مكرسة للدعوة إلي إصلاح النفوس وإرساء منظومة للقيم.. وهذا التوجه سبق بسنوات فرض العبادات التي جاءت لتعزيز هذه القيم.
ما نريد الإشارة إليه هو أن رمضان هذا الشهر الفضيل الذي يشكل تحديا للأنانية والغرائز هو فرصة للتذكير بأنه مناسبة لكل الأمة لتعود إلي الطريق القويم ليس في ممارسة العبادات ظاهريا أو عادة أو طقوسا... وإنما هو بالعودة إلي منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية التي بشر بها الرسول العظيم صلي الله عليه وسلم.
إن منظومة القيم الإسلامية وصقل الإسلام للنفس البشرية تمثل عظمة الإسلام ووضوحه ودقته عن باقي الرسالات الأخري.. فقد رسم الدين الإسلامي مجتمعات واقعية لديها منظوماتها الأخلاقية المحددة.. وإذا كانت الثورات التي نظر لها مفكرون عظام ونفذها قادة كبارقد أرست منظومات قيم في هذا العصر كانت أساسا للتطور والنجاح الذي تحقق في هذه المجتمعات.. فلا أحد ينكر اليوم تأثيرات الثورة الفرنسية والثورة الروسية والصينية والانتفاضة اليابانية والألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.. وأن كل ذلك شكل إيجابيات للصالح العام في الحد الأدني في تلك المجتمعات لتنظيم العلاقة بين الناس ومعالجة بالديمقراطية التي تحقق المراجعة والمساءلة والمحاسبة وغير ذلك من أحوال ونماذج نتطلع إلي الوصول إلي مثلها.. فإن كل ذلك جاء في قيم الإسلام الحنيف وتعاليمه.. فإننا نملك النموذج المثالي الذي لو طبقناه فعلا.. لا.. قولا.. لكنا محط أنظار البشرية المتطلعة إلي سمو الإنسانية بتجلياتها الإلهية.