لا شك أن الاتفاق حول الملف النووي الإيراني بين طهران والقوي الكبري يمثل تطوراً بالغ الأهمية لابد أن يترك آثاره علي المنطقة العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي. خاصة في ظل أوضاع بائسة تعيشها أقطار عربية عديدة، وفي ظل التباهي الإيراني (حتي قبل الاتفاق) بأن نفوذها قد اصبح اساسياً في أربع عواصم عربية.. والبقية تأتي- وأن تواجدها يتعزز من مضيق هرمز وباب المندب إلي شاطئ البحر المتوسط!
كان واضحاً منذ فترة طويلة ان الاتفاق قادم.. وكان الرئيس الأمريكي أوباما مصمماً علي إنجازه.. ليس فقط ليدخل التاريخ - كما يعتقد - باعتباره صانع سلام، خاصة بعد الاتفاق علي انهاء المشاكل والقطيعة مع كوبا، ولكن - قبل ذلك وبعده - لأن هذا جزء من استراتيجية امريكية تستعد لانتقال مركز الصراع الدولي إلي الشرق الأقصي، وتعتبر أن التحدي القادم سيكون مع الصين وروسيا بالأساس.
ما يهمنا هنا هو تأثير الاتفاق علي العالم العربي (ومصر في القلب منه) خاصة مع الرهان الأمريكي علي استعادة التحالف القديم مع إيران قبل الثورة، ومع رفع العقوبات وتدفق الأموال الإيرانية المجمدة والتي تتجاوز مائة مليار دولار، ومع سعي قوي كثيرة لتعزيز تعاونها مع إيران بعد الاتفاق وسعياً وراء أموال جاهزة وثروة بترولية كبيرة.
وبالطبع.. فإننا نأمل ان يكون الاتفاق الجديد عاملاً في صعود قوي الاعتدال داخل إيران وسعيها لعلاقات ودية مع جيرانها العرب. لكن ماذا لو زادت قوة الأجنحة المتشددة، وطغي الاتجاه لمزيد من التدخل المرفوض في شئون العالم العربي. وتوسيع النفوذ الذي كان وراء تأجيج الصراعات الطائفية والحروب الأهلية.. من العراق إلي سوريا ولبنان إلي اليمن؟!
وماذا لو كان المطلوب أن يدفع العرب - كالعادة - ثمن كل الصفقات السياسية في المنطقة من أمنهم وثرواتهم ومستقبلهم؟ وماذا لو استمرت العقيدة التي تسيطر علي قوي عالمية وإقليمية عديدة بأن العالم العربي هو ساحة فراغ لابد أن تملؤها هذه القوي قبل غيرها؟ وماذا لو كان ما نراه استمراراً لسياسة فرض الأمرالواقع علي العرب، والسير بهم نحو المزيد من التقسيم والحروب الطائفية، واستنزاف قواهم بإرهاب مدعوم - بينما القوي غير العربية في المنطقة (إيران - وتركيا - وإسرائيل) تمد النفوذ وتحقق المكاسب علي حساب العرب؟!
ما حدث ويحدث يؤكد الحقيقة التي ما كان لها أن تغيب عن اصحاب القرار العربي، وهي أن الأمن القومي هو مسئولية العرب انفسهم، وأن بناء القوة العربية في جميع المجالات هو حصن الامان، وأن إصلاح الخلل في موازين القوي هوالضمان لنا وهو الردع للآخرين.
ستحاول أمريكا طمأنة أطراف عربية بأنها ستحميها من أي عدوان محتمل ولو كان هذا صحياً لما كانت طهران تتباهي الآن (وبدون سلاح نووي) بأن أعلامها ترتفع في أربع عواصم عربية ونفوذها يمتد ويتسع في كل يوم!!
ما يهمنا الآن ان تتوقف إيران أو غيرها من القوي الأجنبية عن التدخل في الشأن العربي وإثارة الصراعات المذهبية والطائفية ولن يتم ذلك بالتمني ولكن بامتلاك العرب لاستراتيجية توحد قواهم، وتستغل الإمكانيات المتوافرة، وتبني القوة اللازمة لمواجهة الخطر ولردع من يفكر في العدوان عليهم أو الهيمنة علي مستقبلهم.. هذا هو التحدي الذي لا مجال للهروب منه كما فعلنا كعرب لسنوات طويلة!!