الجميع كانوا ينادون بالاستقلال ومحاربة الإنجليز ولكن لا أحد جرؤ علي المطالبة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية

يوليو المجيد هو يوليو 1952. يوليو الثورة العظيمة. يوليو الأحرار أبناء مصر وجيشها الذين خلصوها ولأول مرة في تاريخها من الحكم الأجنبي. أعادوها إلي أصحابها. قولوا كما يحلو لكم يا من لا تحبون ثورة يوليو، لكنها ستبقي الطاقة المضيئة في تاريخ مصر المعاصر. قد يكون هناك أخطاء حدثت خلال سنوات حكم الثورة في الخمسينات والستينات ولكن الثورة غيرت المجتمع المصري. غيرته إلي الأفضل ولو قارننا وضع مصر حتي في سنوات الحرب لوجدناه أفضل بالنسبة لدول أخري ولو كانت مسيرة التنمية استمرت في عهد السادات بالمعدلات التي كانت عليها خلال الخطط الخمسية في الستينات لربما قفزت مكانة مصر الاقتصادية وصارت في زمننا هذا من الدول المستقرة وربما كانت منظمة مثل بريكس قد قبلتها وهي التي تضم دولا عملاقة تسعي لتحقيق التوازن الاقتصادي مع الدول الرأسمالية.
جاءت ثورة يوليو في لحظة زمنية محتمة. كان الفساد السياسي والاجتماعي في مصر قد وصل إلي مراحل عفنة ولابد من تدخل جراحي لإعادة البلد إلي المسار الصحيح وتسليمها إلي أهلها. بعض السذج ومدعي الثقافة يرون أن المجتمع الملكي كان جنة وهم يستمدون وجهة نظرهم تلك من الأفلام القديمة والمسلسلات الهابطة التي تصور الحياة في مصر وكأنها القصور التي كان يعيش فيها الخديوي أو الملك وليس كما كان الواقع الذي يكشفه حجم الأمية والمرض والفقر والجهل وعدد الحفاة والفلاحين ذوي الجلاليب الزرق.
كان الأجانب يسيطرون علي الاقتصاد فيما عدا فتات يملكه الباشاوات والإقطاعيون أما بقية المجتمع فكان 99.5% منه من الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر. وإذا كانت التنمية في الحضيض فالفساد السياسي كان أسفل الحضيض بسبب الصراعات السياسية بين الأحزاب وسعيها للتقرب من الملك والديوان للحصول علي مكاسب وتشكيل وزارات الحكم والتنكيل بخصومهم ويشهد علي ذلك عدة أحداث منها حادث 4 فبراير 1942 الذي تولي فيه حزب الوفد الحكم علي فوهات مدافع الدبابات البريطانية.
لم يكن حزب أو فرد أو كيان في مصر يخطر علي باله إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية. الجميع كانوا ينادون بالاستقلال ومحاربة الإنجليز ولكن لا أحد جرؤ علي المطالبة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.
الضباط الأحرار أبناء مصر البررة فقط هم الذين فعلوها. لم ينادوا بها بل فعلوها. هكذا الرجال وهكذا القيادة.
بنظرة إلي التاريخ الذي صنعه رجال أحرار واعون لما يفعلون، أؤلئك الشبان الرجال كان لديهم الرؤية لتحقيق تقدم بلادهم. في سنوات قليلة تحولت البلاد إلي خلايا نحل في كل مكان وراء المشروعات الوطنية والمصانع والسد العالي. كان الجميع يلهث باذلا الجهد والعرق باقتناع حالما بمستقبل أفضل. وفي الخارج كانت الثورة تحارب الاستعمار وتساعد حركات التحرر في كل مكان حتي تحررت الدول العربية والأفريقية.
أقامت الثورة المصانع ونشرت المدارس تحقيقا لمبدأ العلم كالماء والهواء وأنشأت الوحدات الصحية وحسنت مستوي مياه الشرب والخدمات الأخري، كل ذلك هو ما يتمناه أي حاكم رغم أن مصر وقتها كانت تساعد الدول العربية وتوفد البعثات التعليمية للأشقاء وتتحمل الحكومة المصرية تكاليف تلك البعثات مدركة دورها في تنمية أبناء أمتها عارفة بأبعاد دورها القومي والعروبي، هذا الدور الذي أهمله السادات متعمدا وجاء مبارك ليحسنه في بعده العربي ويتجاهله في بعده الأفريقي فخسرت مصر الكثير.
بعد أيام قليلة تحتفل مصر والشعوب الثورية بثورة يوليو المجيدة التي غيرت جغرافية وتاريخ العالم ووضعت مصر في مصاف الدول الثورية التي ساعدت حركات التحرر وكافحت الاستعمار حتي وصف ناصر زعيم هذه الثورة المباركة بالزعيم الذي قطع ذيل الأسد البريطاني بعد أن تراجعت بريطانيا من إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس إلي دولة داخل حدودها فيما عدا علاقاتها بدول الكومنولث.
إن صفحات التاريخ يكتبها الرجال العظماء، والتاريخ نفسه مصنوع يمكننا كتابته بالطريقة التي نريد فلو أردنا أن نكون عظماء لكان لنا ذلك ولو أردنا مجرد وجودنا علي سطح الكرة الأرضية لما كان في ذلك مشكلة كبيرة. تحية للرجال الأحرار وزعيمهم الخالد جمال عبد الناصر.