يعتبر الواحد نفسه مدينا لكل أسرة ضحت بواحد من أبنائها، سد بجسده الصائم الثغرة التي انهارت من خلالها دول مجاورة.
لكن في الاعتماد علي أجساد هؤلاء الأبطال العظام فقط ظلم كبير لهم، ذلك أنهم يدفعون البلد بعيدا عن الهاوية بينما ظهورهم مكشوفة، ومن حسن حظنا أنهم لا ينظرون إلي الخلف، فنظرة باتجاه الجبهة الداخلية تكشف أن لا شيء يتغير فينا أو حولنا وهو أمر محبط.
ندور في دائرة مفرغة منذ بدأت الحرب في سيناء، في كل مرة تحدث المواجهة هناك، تدور هنا ألف مواجهة مكررة بكلام يعيد نفسه.
كلام يطلب مناقشة علمية لعجز المؤسسات يتم الإكتفاء بأن يكون الرد عليه بالتخوين.
كلام يخسف بحقوق الإنسان الأرض بل والمطالبة بإبادة جماعية لمن يأتي بهذة السيرة في هذا الوقت، مقابل شماتة عمياء تدعو بالهلاك التام علي أساس أنه لن يصيب من يدعو به.
نظريات تشرح وتفسر دور تجاوزات وتقصير الأمن في تفاقم المأساة، والرد عليها بإغلاق محطة مترو السادات وإلغاء الدوري.
مأساة أن تعرف الحقيقة من أول لحظة، بين تضارب الأخبار والبيانات وما يترتب عليها من كشف عن خلل جسيم في مهنية الصحف الكبري، مقابل ثغرات يطل منها أخبار محبطة لا أحد ينفيها بل إنها تكبر ويبني عليها (من يفترض أنهم عاقلون) أفكار تنقلب إلي حقائق يرددها الجميع.. بخلاف صراع مزدوج، هناك من يستغل الحدث ليصفي حساباته مع الثورة، وهناك من يستغل الحدث نفسه ليصفي حساباته مع النظام.
تتوهج نظرية المؤامرة وتعيد تفسير وشرح كل نظرة وتصريح وطريقة هرش للأنف، وكلام معاد بلا جديد عن تعمير سيناء وتعديل كامب ديفيد وعدم وجود مراسل عسكري والنكسجية والخرفان والفلول، وفتح كشف الحضور والغياب للتفتيش علي من شارك في هذا الهياج ومن غاب عنه، مستشفي السويس تستغيث طالبة متبرعين بالدم وأنت مشغول علي تويتر بسؤال أحدهم متهكما (أومال ماسمعناش صوتك يعني؟).
يحدث كل ما سبق بانتظام مع كل حادثة دون أدني تغيير، هناك جندي ما في الصحراء هو الوحيد الذي يأخذ الأمر بجدية، بينما نحن هنا ننسي سريعا ما حدث إلي أن يحدث من جديد.
قال نجيب محفوظ (لدينا قوة مهدرة بلا سبب)، كيف فاته أننا السبب؟
نحن في حرب، الحرب واضحة لكن (نحن) يكتنفها الغموض.
رحم الله الشهداء