تبعد الأحلام أو تقترب، تنقلب إلي سراب أو تصير في متناول اليد، بقدر ما يمتلك صاحبها من خيال وعزم.
تبددت أحلام الحادي عشر من فبراير 2011 وضاعت، ثم تجددت في الثالث من يوليو 2013، ومازالت بعد مرور عامين أقرب ما تكون إلي التحقق، منها إلي التلاشي والتحول إلي أوهام!
بسيطة هي أحلام الشعب المصري، الصبور كالزمن، المعطاء كالأرض، الحاسم كالقدر. عمر أحلام المصريين من عمر مصر، لكنهم في أحيان كثيرة يبدون مثل سيزيف بطل الأسطورة الإغريقية ما أن يقترب من قمة الجبل حاملا صخرته، حتي تسقط منه وتتدحرج إلي السفح، ليعود ويبدأ رحلة صعود جديدة يحمل الصخرة علي كتفيه!
لعنة سيزيف هي قصة حياتنا.. تكررت أحداثها، وكان آخرها في عصر محمد علي ثم في عهد جمال عبدالناصر!
الحلم المصري علي بساطته وعدم تفرده عن أحلام باقي الشعوب، يبدو شديد التعقيد، نحن نحلم ببلد آمن في قلب منطقة مضطربة، ومعيشة كريمة وسط قلة موارد، وحرية كاملة في أتون فوضي تترصد، وديمقراطية أرحب في خضم شروخ تتمدد، وعدالة اجتماعية في ظل رأسمالية تتوحش!
غير أن الشعوب العظيمة هي التي تمسك بطرف أحلامها وتنتزعها من بين أنياب الظروف، وتغير ما يُظن أنه قدر ومكتوب.
القيادة الملهمة والجماهير ذات العزم، هي التي تحول الأوهام إلي أحلام، والأحلام إلي أمنيات، والأمنيات إلي خطط، والخطط إلي واقع ذي مشهد وملمس!
نحن الآن في رحلة صعود إلي قمة جبل لا هبوط إلي سفح، في مسيرة اعتلاء إلي ذروة، لا سقوط إلي قاع.
علي أعناقنا أثقال من مواريث 50 عاماً مضت من ركود الحركة وتخلف الفكر وتجريف البشر، وحول أقدامنا قيود تكبل حركتنا من بيروقراطية وفساد وظلم اجتماعي، وفوق أكتافنا أحلام أمة وطموحات شعب.
الطريق أمامنا وعرة ملتوية، ومع كل خطوة نقطعها عقبة تعطلنا، أو هوة تهددنا. لكننا نسير ونتقدم ونعتلي ببطء نعم، لكن إلي الأمام.
بيدنا أن نسرع، لكن شريطة أن نتخفف من الأثقال ونتحلل من القيود، وأن نستمسك بالأحلام والطموحات والتطلعات، وأن نتحلي بالإرادة والعزم علي تخطي العقبات والقفز فوق الهوات.
منذ 13 شهراً، اتفقنا علي أن نقتحم كل الصعاب وأن نحطم كل العقبات في آن واحد، حتي نجتازها كلها أو معظمها في أقصر وقت، اختصاراً للزمن في مرحلة لا نملك معها ترف إهدار أي لحظة.
توافقنا منذ ذلك الحين، علي أن نصطف معاً في مسيرة من صف واحد متساند ومتكاتف، لا أن نسير في طابور متراص. فقد ولي عهد الطوابير المنقادة العمياء!
اخترنا طريقنا الذي لم نرض بغيره بديلا، ونحن نعرف أنه محاط بقطاع الطرق من جماعات القتل والتخريب والترويع والإرهاب، وأقسمنا علي أن نحاربهم علي قلب رجل واحد بكل ما أوتينا من صلابة وشدة وبأس، في معركة تضحيات بالدماء والأرواح، النصر فيها يعني بقاء مصر، والهزيمة معناها زوال دولة عمرها من عمر التاريخ.
تعاهدنا ألا توقفنا معركتنا لدحر الإرهاب، عن خوض معاركنا الأخري في مواجهة الفقر وفساد الإدارة وخراب الذمم، وفي سبيل التقدم والبناء والحرية لكل الوطنيين.
اليوم.. تستعر معركتنا ضد ميليشيات الكفر وجماعات الجهل وتنظيمات الإرهاب، وتتصاعد معاركنا الأخري علي كل الأصعدة.
وبينما تقترب المعركة الأولي من بداية فصلها الأخير، تدخل المعارك الأخري نهاية فصلها الأول.
بعد شهر من الآن، سنحتفل ـ بإذن الله ـ كلنا بإنجاز حققناه، يجسد صلابة إرادة الإنسان المصري، يعطي نموذجاً يحتذي في مسيرتنا ـ عبر طريق مختصر ـ إلي حيث نحلم ونصبو.. هو افتتاح قناة السويس الجديدة.
ومثلما حققنا رقماً قياسياً في الاكتتاب بمبلغ 64 مليار جنيه مصري، دفعها 8 ملايين مواطن مصري، لفتح الطريق نحو تجسيد حلم مصري، استطعنا أن نحقق رقما قياسيا في الإنجاز، بحفر القناة في الرمال وفي عمق البحيرات المرة بطول 72 كيلومتراً وغاطس 20 متراً خلال 12 شهراً فقط، رغم أن كل الحسابات كانت تقول إنه لا يمكن الانتهاء من هذا المشروع مع توافر التمويل قبل 5 سنوات علي الأقل.
هذا عنوان جديد لإرادة الشعب المصري، مثلما كانت حرب أكتوبر.
وهذه معجزة جديدة للإنسان المصري، مثلما كانت ثورة يونيو.
في يوم السادس من أغسطس.. ستبحر «المحروسة» أو اليخت «الحرية» ومن ورائها قافلة من السفن في مياه قناة السويس الجديدة إيذانا بافتتاحها في احتفال عالمي نحسبه سيكون مبهرا.
بين القناتين الأم والجديدة جزيرة بطول 35 كيلومترا وعرض 900 متر، كان عليها فيما مضي أهم حصون خط بارليف الذي دكته قواتنا المسلحة دكاً في حرب أكتوبر، واليوم تصبح الجزيرة التي تحمي حركة الملاحة الدولية عبر القناتين.
لا أظن معنويات المصريين سترتفع بقدر ما بلغته في الثلاثين من يونيو 2013، إلا في السادس من أغسطس 2015.
ولا أظن ثقة المصريين في قدرتهم علي تحقيق المستحيل، ستعادل إحساسهم بها يوم تأميم القناة ويوم معركة العبور، إلا في هذا اليوم.
ولا أظن شعبية السيسي، ستصل إلي ذُرا يوم النزول الكبير في السادس والعشرين من يوليو 2013، إلا وهو يطل علي القناة الجديدة من فوق اليخت «الحرية» يوم السادس من أغسطس، وعيناه تتحدثان للمصريين : ألم أقل لكم؟!
أحسبها فرصة للرئيس في هذا اليوم المشهود الذي أتمناه عيداً سنوياً للإرادة المصرية، أن يتدثر بالتأييد الشعبي والاصطفاف الجماهيري والإحساس المفعم بالكرامة الوطنية الذي سيعم أرجاء الوطن يومئذ، وأن يضرب بكل ما أوتي من قوة، علي الفاسدين الذين هبروا أرض الشعب والمال العام، وعلي قلاع البيروقراطية تشريعاً وإجراءات ناسفة، وعلي ضباع الرأسمالية المتوحشة تحجيماً وتضييقاً، أولئك الذين يتوهمون أن السيسي رجل قابل للتطويع، أو أن صبره عليهم، الذي أطاله بيده لعل وعسي يفيقوا، هو رضوخ لنواياهم في عرقلة مشروعه الوطني، من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية علي حساب مصلحة الشعب.
أحسبها فرصة للرئيس أن يحنو كما وعد، ويرفق كما تعهد، بجماهيره التي تحبه وتلتف من حوله، وتري فيه الأمل والرجاء، من الفقراء والمعدمين وأبناء الطبقة دون المتوسطة وكذلك أبناء الطبقة الوسطي، الذين هم سند مشروعه الوطني ومحركه.
رجائي أن يفصح في هذه المناسبة، عن مشروع اجتماعي كبير ومدروس، تصل ثماره مباشرة إلي الفقراء والمهمشين وربات الأسر المعدمات، ويثبت انحياز نظام 30 يونيو إلي الجماهير المطحونة من أبناء الشعب. وأظن أنه إذا كان لطبقات أخري أن تشد أحزمتها علي بطونها بيدها أو بيد الدولة، فقد آن لهذه الأسر المعدمة أن تجد ما تقتات به هي وأبناؤها لتكتم صراخ بطونها.
أعرف أن يد الموازنة العامة قصيرة، لكن يد صندوق «تحيا مصر» يجب أن تطول ولا تخجل، أن تطلب ولا تناشد.
أحسب السادس من أغسطس فرصة للسيسي ليخاطب العالم عن مصر الجديدة من قلب إنجاز هو لخير العالم، وأن يخاطب الشعب عن رؤيته لمستقبل مصر من واقع مشروع وطني منشئه وصاحبه هو المصريون.
أتوقع أن يصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي في هذا اليوم المرتقب، «بيان 6 أغسطس»، ليكون وثيقة لعهده، وإطاراً فكرياً لنظام 30 يونيو، يضع فيها رؤيته التي أعلمها منذ عرفته، وسمعتها منه في أول يوم، ودفعتني لأن أتمني لو يصبح هذا الرجل الصادق المخلص المتيم بعشق الوطن، صاحب الهمة الوثابة، المؤمن بالجماهير، قائدا لهذا البلد الصابر.
أرجو لو عكف الرئيس علي كتابة هذه الوثيقة، أو «بيان 6 أغسطس»، وأن يضمنها برنامجه المقبل لبناء الدولة الحديثة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وأن يستنهض به همم المصريين ويشحذ عزائمهم ويستحث خطاهم، استثماراً لنجاحهم منقطع النظير في شق القناة الجديدة خلال عام واحد، ولعله يطلق مشروعاً وطنياً مدروساً آخر في هذه المناسبة يقوم علي الاكتتاب الشعبي وينتهي إنجازه في غضون عام، يوم السادس من أغسطس، ليكون عيداً سنوياً للإرادة المصرية، ودعوة متجددة لأن ننظر للأمام