ملفات اجتماعات الساعات الست للسيسي مع ويدودو في جاكرتا نتائج مريحة في ختام جولة «اللا راحة»

٧ أيام أمضاها الرئيس عبدالفتاح السيسي في جولته الأسيوية التي بدأها بزيارة سنغافورة ومنها إلى بكين، ثم إلى جاكرتا التي وصلها أمس، ويغادرها اليوم إلى القاهرة.


٣٦ ساعة من تلك الزيارة قضاها الرئيس في الجو متنقلا من سنغافورة على حافة خط الاستواء، إلى الصين في الشمال الشرقي الأسيوي، ثم إلى إندونيسيا جنوب خط الاستواء مباشرة.


قبل تلك الجولة بأقل من ٤٨ ساعة، أمضى الرئيس ثلاثة أيام بالعاصمة الروسية موسكو في زيارة هى الثالثة له منذ تولى الرئاسة قبل ١٥ شهراً.


اللا راحة، كان هو العنوان الرئيسي لجولة الرئيس الأسيوية الأولى، والتوافق كان هو أهم النتائج التي أسفرت عنها، سياسيا واقتصاديا على السواء.
< < <
من مطار جاكرتا، التي وصلها الرئيس السيسي في الثالثة من ظهر أمس بتوقيت إندونيسيا (العاشرة صباحا بتوقيت القاهرة)، انطلق ركب الرئيس مباشرة إلى القصر الجمهوري، رغم عناء رحلة الطائرة من بكين التي استغرقت أكثر من ست ساعات.
لم يتردد السيسي في الاستجابة إلى الدعوة التي تلقاها من الرئيس الإندونيسي "جوكو ويدودو" لزيارة جاكرتا. كان الرئيس يود القيام بها في الذكرى الستين لتدشين التعاون الأفرو أسيوي في باندونج الذي عقد فى أبريل عام ١٩٥٥، ودشن زعامة عبدالناصر والرئيس اليوغسلافي تيتو، ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، لحركة عدم الانحياز التي كان المؤتمر نواة لولادتها بعدها بست سنوات.
لكن ظروف وارتباطات داخلية حالت دون مشاركة السيسي في هذه المناسبة وأناب عنه رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب.
وحان وقت الزيارة.. في هذه الجولة.
يعرف الرئيس السيسي أهمية إندونيسيا كأكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان، ويعرف الرئيس ويدودو قدر مصر ومكانتها كمنارة لصحيح الإسلام وقلب للعالم الإسلامي عبر تاريخها ودور أزهرها الشريف جامعاً وجامعة.
ويؤمن الرئيسان بأن توثيق العلاقات المصرية الإندونيسية لا يخدم فقط التعاون بين البلدين، وإنما يشكل ركيزة أساسية لتنقية صورة الإسلام ومكافحة الإرهاب ومنابعه في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
جاء الرئيس السيسي إلى جاكرتا، في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى إندونيسيا منذ ٣٢ عاما، حاملا تقديراً خاصاً لهذا البلد الذي ساند إرادة الشعب المصري في ٣٠ يونيو دون تلكؤ، وحاملا نداءه بإصلاح الخطاب الديني الذي أطلقه في الأزهر الشريف، وحاملا أيضا رغبة أكيدة في تمهيد الطريق أمام تعاون تجارى واستثماري بين البلدين، يرقى إلى مستوى التفاهم السياسي بينهما تجاه مختلف القضايا وفى المحافل الدولية، ويتناسب مع عمق العلاقات التاريخية بين مصر وإندونيسيا.
بنفس الاهتمام.. كان الرئيس ويدودو الذي تولى منصبه منذ 11 شهراً، حريصا على التعرف عن قرب على الرئيس السيسي الذي يتابع جهوده لإعادة الاستقرار إلى مصر، ويرقب مشروعه لإحداث نقلة سريعة في الاقتصاد المصري، وكان أبرز معالمها افتتاح القناة الجديدة.
يُكنِ ويدودو تقديراً خاصاً لمصر، فقد كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال إندونيسيا. ويبدو مهتماً كثيراً بتشجيع الاستثمارات الإندونيسية لمصر التي بلغ حجمها 260 مليون دولار، لاسيما بعد قيام الحكومة المصرية بحل مشكلة شركة "إندوراما" الخاصة بشركة غزل شبين الكوم، في الشهر الماضي، وتعويض صاحبها بمبلغ 53 مليون دولار، مقابل تنازله عن دعوى التحكيم الدولي التي كانت ستعوضه بنحو ١٤٦ مليون دولار، ولمس الرئيس الإندونيسي والمسئولون والمستثمرون الآسيويون في بلاده من هذا الإجراء جدية من جانب الحكومة المصرية في تذليل العقبات أمام المستثمرين وإزالة أحد العوائق الرئيسية أمام تدفق الاستثمارات الإندونيسية.
< < <
في مباحثات القمة المصرية الإندونيسية التي جرت في ثلاثة اجتماعات، كان على مائدة النقاش ٣ ملفات رئيسية.. أولها التعاون في تصحيح صورة الإسلام وفى مكافحة الإرهاب، وعرض الرئيس الإندونيسي مبادرته الخاصة بإظهار قيم الإسلام الذي أنزل رحمة للعالمين وطرح استضافة بلاده لمؤتمر حول هذه القضية يجمع الدول الإسلامية، وجرى الاتفاق على إرسال وفد إندونيسي إلى مصر لبحث التعاون في دحر الإرهاب.
ثاني الملفات.. كان التعاون المصري الإندونيسي الذي تبدو آفاقه غير محدودة بين سوقين كبيرين، فإندونيسيا تتشكل من أكثر من ١٧ ألف جزيرة يبلغ إجمالي مساحتها ما يقرب من ضعف مساحة مصر وتضم ٢٥٥ مليون نسمة ويصل ناتجها القومي إلى ٨٨٨ مليار دولار، ويبلغ احتياطيها النقدي نحو ١١٢ مليار دولار، ورغم أن صادرات مصر إلى اندونيسيا قفزت بنسبة ١١١٪ خلال الشهور الستة الأولى من هذا العام مقابل زيادة الصادرات الاندونيسية إلى مصر بنسبة ١٨٪، إلا أن حجم التبادل التجاري بينهما والذي بلغ ٨٦٢ مليون دولار وفى آخر ٦ شهور لا يتناسب مع إمكانيات البلدين.
وقد طرحت مصر في المداولات قبل القمة، إزالة بعض عقبات تحول دون رفع حجم واردات إندونيسيا من الخضر والفاكهة المصرية.
كما طرحت إندونيسيا أثناء الجلسة الموسعة للقمة تصدير الفحم إلى محطات الكهرباء التي تعتزم مصر إنشاءها، خاصة أنها تستحوذ على ٤٠٪ من إنتاج العالم من الفحم.
الملف الثالث في النقاش، كان أوضاع الطلاب الإندونيسيين الدارسين في مصر وعددهم ٣ آلاف والعمال وعددهم ١٢٠٠ عامل، وكان من اللافت للانتباه أن يطلب الرئيس ويدودو من الرئيس السيسي أن يضفى عليهم الحماية، وأكد الرئيس التزام مصر بحماية كل من يقيم على أراضيها، وأنها بلد آمن ومستقر يحرص على حماية ضيوفه.
وشرح الرئيس حقائق الأوضاع في مصر، بعد أن لمس أن الصورة قد تكون في أذهان المسئولين هنا على غير الواقع.
< < <
مرة أخرى.. أسمع كلمة "الكيمياء" في مباحثات الرئيس مع قادة الدول. هذه المرة على لسان ريتنو مارسودى وزيرة الخارجية التي قالت عقب المباحثات: أهم ما لاحظته هو الكيمياء الشخصية التي تولدت بين الرئيسين من أول لقاء.
وبعد اللقاءات المطولة التي جمعت بين الرئيسين على مدى سبع ساعات، لم يقطعها سوى ساعة واحدة أمضاها الرئيس السيسي في مقر إقامته بالفندق بين الجلسة الموسعة ومأدبة العشاء في القصر الجمهوري.. بدا الارتياح على وجوه أعضاء الوفد المصري رغم الإرهاق الشديد من الاجتماعات المتتالية في الجولة الأسيوية وساعات السفر الطويلة على طائرة الرئاسة.
قال لي السفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة إن تلك الزيارة دشنت عهداً جديداً من التعاون والتشاور بين قطبي العالم الإسلامي في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
وقال الدكتور أشرف سالمان وزير الاستثمار بوضوح: ربما تكون هذه هى أنجح زيارة خلال الجولة من حيث نتائجها المتوقعة على الاستثمارات في مصر، الفترة المقبلة ستشهد زيارات متبادلة بين الوفود لوضع أطر التعاون المشترك، قبيل الزيارة المرتقبة لرئيس إندونيسيا لمصر تلبية لدعوة الرئيس السيسي، والمنتظر أن تشهد انطلاق التعاون المشترك بين البلدين.