أحيانا تبدو الكتب التي تبسط العلوم ا٫لمعقدة أو تبحث في فلسفة العلوم الحديثة أقرب إلي كتب التصوف، من أهم وأمتع ما قرأت مؤخراً «عبور اليم إلي ميكانيكا الكم» تأليف الدكتور إبراهيم فوزي، استاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة القاهرة، وزير الاستثمار الأسبق، ورغم العنوان التراثي إلا أن المضمون يشرح بوضوح أحد أهم نظريات العلم الحديث صدر عن المكتبة الأكاديمية وفيما يلي شذرات منه :

ظهرت ميكانيكا الكم مع بداية القرن العشرين ويعتبر تاريخ مولدها هو السابع عشر من ديسمبر سنة ١٩٠٠، في هذا اليوم وقف العالم الألماني ماكس بلانك «١٨٥٨-١٩٤٧» أمام عدد من العلماء في برلين يعرض عليهم  محاولته التغلب علي الصعوبات الكامنة عندئذ في نظرية الاشعاع الحراري.

> ألم تكن الذرة معروفة قبل ذلك؟ الإجابة نعم، لكن من خلال تخمينات وتصورات العلماء فقط، في العصور القديمة جدا قبل أن يتمكن أي من العلماء المكتشفين من بدء رحلات استكشافاتهم، وضع الأنسان تصوراً بوجود أجناس أخري من البشر والحيوانات علي أرض أخري، خارج النطاق الذي كان يعيش فيه. وبنفس الطريقة شعر الناس بوجود عالم مستقل يختص بمتناهيات الصغر من الأشياء والجسيمات قبل اكتشافه الحقيقي لها بفترة طويلة، ولم يتطلب هذا من العلماء  أن يذهبوا بعيداً، لأن هذا العالم كان موجوداً بين أيديهم طوال الوقت في كل شيء حولهم تقريبا.

> في الأزمنة القديمة، لم يتوقف الفلاسفة والحكماء عن التأمل في الطبيعة وكيفية خلق الأشياء حولهم، وتساءلوا كثيراً عن كيفية أمتلاء الكون بأشياء تختلف عن بعضها البعض تلك الاختلافات الهائلة، وهل هناك احتمال أن تكون الطبيعة مثل المهندس الذي يبني بيوتا كبيرة مستخدما قوالب صغيرة؟ وإذا كان الوضع هكذا، فما هي تلك القوالب الصغيرة المستخدمة في كل هذه الأبنية الضخمة المختلفة.

> لاحظ الفلاسفة في الأزمنة البعيدة أن هناك جبالا هائلة تدمرها السيول والرياح وقوي البراكين الغاضبة فتفتت صخورها إلي قطع صغيرة تتفتت بدورها خلال مئات بل آلاف السنين حتي تتحول في النهاية إلي تراب.

 > في مسيرة التقدم العلمي لايظهر شيء من لاشيء، ويمكن أن نطلق علي ميكانيكا الكم أنها وليدة العقل المفكر للميكانيكا الكلاسيكية التي ظهرت مع العالم الفذ اسحق نيوتن.

>في غمار مناطق الفراغ الرهيب الذي يشمل الفضاء الكوني المليء بالاجسام والاشياء العديدة من الأجرام السماوية الهائلة إلي حبات التراب الدقيقة، كانت لحظة في الماضي السحيق تواجد الكون كله فيها في حالة سكون كامل بدون أي حركة.

> نفخ الخالق سبحانه في الكون فأعطاه الدفعة الأولي ونفخ فيه الحياة، وكان هذا كافيا من جانبه ومنذ تلك اللحظة بدأت كل الأشياء والأجسام في الكون تتحرك وتتفاعل مع بعضها البعض وفقا لقوانين ثابتة ومحددة بصفة قطعية، عدد هذه القوانين هائل، ولكن مع متابعة تحليلها أمكن تركيزها في قوانين محدودة فقط.

> منذ تلك اللحظة في خلق الكون، لم يحدث أبداً أي حدث عرضا أو مصادفة.