‎أغرب وأسخف حجة سمعتها تبريرا لقيام جهاز الاتصالات برفع أسعار الخطوط التليفونية الساخنة ذات الأرقام الخمسة من 18 ألف جنيه إلي 114 ألفا، هو أن مسئولي الجهاز وصلتهم معلومات تفيد بأن هذه الخطوط تباع بالسوق السوداء بنصف مليون جنيه للخط الواحد !.. ومن هنا جاء القرار الذي غاب عن أذهان كل وزراء ومسئولي الاتصالات السابقين باعتبار أنهم كانوا لا يعلمون دهاليز وأسرار السوق وخاصة السوداء وما يحدث داخلها من ألاعيب علي حد تفكير عقول هؤلاء المسئولين !.. هكذا كان اعتقادهم ليتفتق ذهنهم عن قرار احتكاري حكومي غريب وتبرير أغرب يترجم إلي حد كبير المثل الشائع " حجة البليد"!.. فإذا كان الأمر هكذا وسلمنا جدلا بتبرير بيع الخطوط في السوق السوداء، فليس من المستغرب أن يقوم البنك المركزي هو الآخر ببيع الدولارات التي يوفرها للمستوردين والجهات الحكومية والخاصة بأسعار السوق السوداء، باعتبار أنه أولي بفارق السعر وفق تفكير فلاسفة الاتصالات ! ومن باب أولي أيضا يقوم مسئولو المجمعات الاستهلاكية ببيع السلع المدعمة للمواطنين بأسعار السوق السوداء.. ولتصبح مصر كلها سوق سوداء.. علي رؤوس أصحاب تلك الأفكار السوداء من الذين رفعوا أسعار الخدمات وأراضي البناء والطعام والشراب.. حتي أسعار المقابر لم تفلت من جبروتهم !
‎المهم أن المصرفي الكبير محمود عبد العزيز الذي كان يرأس أكبر بنك حكومي هو البنك الأهلي المصري وأكبر بنك استثماري هو البنك التجاري الدولي والذي كان يرأس اتحاد بنوك مصر واتحاد المصارف العربية لسنوات طويلة.. هذا الرجل الذي يلازم الفراش منذ 5 سنوات من شدة الأمراض التي أحلت به، لم يستطع أن يمنع نفسه من التعليق علي ما كتبته السبت الماضي بشأن الخطوط الساخنة إياها وقرار مسئولي الاتصالات برفعها إلي عنان السماء في ترجمة واضحة للاحتكار الحكومي، وهو بالمناسبة أخطر أنواع الاحتكار، علي أساس أن إحتكار القطاع الخاص يمكن ملاحقته من جانب جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار !
‎محمود عبد العزيز- شفاه الله - تحامل علي نفسه وأمسك بالقلم بصعوبة شديدة وطلبني تليفونيا لاستلام ورقة صغيرة عبارة عن تعليق مختصر حول أوضاع الاتصالات.. قال إن ما تضمنه مقالي " يدعو للبكاء " لأسباب عديدة في مقدمتها أن العالم كله يتجه عكس اتجاه المسئولين الحكوميين في مصر، فمنذ شهور ومسئولو الاتصالات يحاولون رفع أسعار الخدمات التي تقدم للمواطنين المغلوبين علي أمرهم وإنكار من يسعي إلي تخفيضها.. يحدث ذلك رغم الادعاء كل يوم بأننا مع حرية السوق والمنافسة الحرة ومنع الاحتكار حتي لا تكون رقاب العباد بين فكي المحتكرين !
‎المصيبة لدينا وليست مستوردة، كما يقول، فلأول مرة منذ سنوات نسمع عن بنوك تتباهي بالمليارات التي تدعي أنها ربحتها.. ويتساءل : من أين تلك الأرباح ؟ ويرد : الله أعلم !.. كما يطرح سؤالا استنكاريا آخر : هل تعلم أن أسعار السلع الغذائية والاتصالات في مصر أعلي من مثيلاتها بالخارج بنسبة تتراوح بين 20 و30 % وربما أكبر من ذلك.. ويضيف : إنه الجشع، فكل المتعاملين بالسوق من تجار وصناع وحكومة يستحلون الربح الحرام وهو الربح الذي يتجاوز النسبة العادلة والمعقولة من تكلفة الإنتاج!
‎ولم ينس المصرفي الكبير أن يعرفني بصديق كان بالصدفة يزوره بمنزله وقت زيارتي له، اسمه شريف صابر، ومشكلته تترجم ما يحدث في قطاع الإتصالات من غرائب وعجائب علي حد قوله.. وكما يضيف فقد قام جهاز الاتصالات منذ 6 شهور بإغلاق نظام اسمه voice over " ومن ثم إغلاق برنامجي " الخاصين بالاتصالات الخارجية بحجة أن استخدام الجهاز الخاص بالبرنامج يؤدي إلي انخفاض دخل المكالمات الدولية التي تتم من خلال السنترالات الحكومية! ! ويقول إنه التقي مع نائب رئيس جهاز الاتصالات وعرض عليه دفع اشتراك شهري مع اشتراك الإنترنت للشركات المصرية دون التوصل إلي أي نتيجة، رغم أن الأمر لايرتبط بالأمن القومي ولايحزنون !
‎قرارات مستفزة وتبريرات أكثر استفزازا !