‎ أحمد أمين واحد من النماذج الفريدة في تاريخ التجديد في الفكر الديني فهو أزهري النشأة ثم عاش في رحاب القضاء الشرعي سنوات طويلة، واكتست أغلب كتاباته بالطابع الديني ويكفيه في ذلك مسلسل كتبه فجر الإسلام – ضحي الإسلام – ظهر الإسلام .
‎ لكنه في ذات الوقت مثقف عصري كتب في موضوعات شتي ومن مؤلفاته «علمتني الحياة – قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية – قصة الفلسفة الحديثة – كتاب الأخلاق – قصة الأدب في العالم [بالاشتراك مع زكي نجيب محمود.
‎كما ترجم من الانجليزية «مبادئ الفلسفة – تأليف رابوبرت» . وكتابات أحمد أمين كثيرة تكاد تفوق الحصر فقد جمع مقالاته في موسوعة من عشرة مجلدات اسماها «فيض الخاطر» . وأيضاً هناك «الشرق والغرب» و»ثورة العالم الاسلامي اليوم» و»محمد عبده» و»زعماء الإصلاح في العصر الحديث» . وهكذا فإن الحيرة تتلبسنا عندما نكتب عنه عدة صفحات . وعلي أيه حال نبدأ بكيف بدأ هو، البداية في مدرسة ابتدائية لكنه ما أن يبدأ في التمتع بالتعليم الحديث في رحابها حتي انتزعه أبوه رغم أنفه ليدخله الأزهر . فقد تعلق الأب بأن يتعلم ابنه العلم الشرعي الشريف، وظل بالأزهر علي مضض، ولكنه حاول الفرار أكثر من مرة منها أن «الجمعية الخيرية الإسلامية» أقامت مسابقة لاختيار مدرسين لكنه لم ينجح فعاد إلي ساحة الأزهر مرغماً الي أن تأسست مدرسة القضاء الشرعي بإيعاز من الشيخ محمد عبده فأسرع بالانضمام إليها . وبهذا اقترب خطوة من الثقافة الحديثة ثم انغمس فيها فدرس الانجليزية وقد تجاوز سن الدراسة وأتقنها حتي أنه ترجم منها كتاباً في الفلسفة . ثم قام بالتدريس في كلية الآداب (عام 1926) بناء علي إلحاح صديقه الحميم طه حسين . وذاع صيته وكثرت كتاباته وكتبه فأصبح عضواً في المجمع العلمي بدمشق وعضواً بمجمع اللغة العربية بمصر . وها نحن الآن أمام أزهري من نوع خاص أتقن الفقه والشريعة واللغة والأدب والفلسفة وحاز ثقافة عصرية متنوعة . واشتق لنفسه أسلوباً في الكتابة بالغ الرقي والسلاسة، وكتب أحمد أمين بغزارة مثيرة للدهشة يفسرها هو في مذكراته المعنونة «حياتي» قائلا:ً «كانت الكتابة بالنسبة لي كيفاً أقبل عليها متسلطناً كما يشعر مدمن الدخان أوالخمر» [صــ303] . وخاض أحمد أمين فوق ذلك غمار محاولة لتجديد اللغة العربية وتطويرها وجعلها قادرة علي التلازم مع العصر، فقد أفزعه مدي تعقيد لغة الأزهريين في ساحات التعليم الازهري وانعكاس ذلك علي مجمل لغة الكتابة التي أصبحت فوق قدرة القارئ العادي علي الفهم، وإدراك صعوبة البناء اللغوي وقواعد النحو والصرف والفارق الكبير بين الفصحي والعامية، ومن ثم خاض محاولة لغوية ليبرالية استهدفت تحرير اللغة العربية من إسار الماضي وتجديدها مع تجدد الزمان وألح علي ما أسماه «اصطناع لغة خالية من الإعراب، وخالية من الألفاظ الضخمة