احتفالنا بالمشروع الجديد لقناة السويس.. ليس فقط احتفالا بإنجاز كبير ستكون له آثاره الإيجابية علي مدي السنين القادمة.. ولكنه احتفال بقدرة المصريين علي قهر التحديات وصنع المستحيل.. إذا توافرت الإرادة والقيادة وتحدد الهدف ووجدنا أنفسنا أمام الاختبار.

في قناة السويس الجديدة،كانت الظروف صعبة. كنا خارجين من معركة إسقاط حكم الاخوان الفاشي، وكنا نواجه عصابات الإرهاب التي تعبث بأمن الوطن، وكنا نتعرض لحصار اقتصادي وسياسي من قوي عالمية وإقليمية راهنت علي سقوط مصر ولم تصدق ما حدث في ٣٠ يونيو وكيف أفشلنا كل مخططات الأعداء واستعدنا مصر لأبنائها بعد أن كادت تتحول إلي «جائزة كبري» لأعدائها وعملائهم!!
كان التحدي كبيرا أن نطلق مشروع القناة الطموح في هذه الظروف، وكان النجاح رائعا من البداية. حين قرر الشعب أن يبني القناة بأياديه وبأمواله وبعرق عشرات الألوف الذين واصلوا العمل ليل نهار لكي ينجزوا في عام ما كان مقررا له أن يتم في خمس سنوات.
الإنجاز في حد ذاته قيمة كبري، وما سيضيفه الاقتصاد المصري كثير، خاصة مع الانطلاق لتنفيذ المشروع العملاق لتنمية منطقة القناة وتحويلها إلي مركز عالمي للصناعة والتجارة والخدمات البحرية استغلالا لموقعه العبقري.
لكن الإنجاز الأكبر هو أن تستطيع تحويل ما حققناه في مشروع قناة السويس من حدث استثنائي، إلي أسلوب عمل وطريق حياة. ألا يبقي هذا المشروع الكبير مثالا للانضباط والالتزام والإدارة العلمية وبينما نري العديد من مؤسساتنا تعاني من الإهمال والتسيب وعدم الالتزام وسوء الإدارة!!
كان جمال عبدالناصر يشكو من أن الروح التي بنت السد العالي في ملحمة خالدة، لم تستطع أن تنفذ إلي «قصر العيني» وتديره كما ينبغي!! لقد تعودنا أن نخرج أعظم ما لدينا في لحظات التحدي وفي أصعب المعارك. وقد فعلنا ذلك في لحظات مصيرية في تاريخنا.. سواء في حروب خضناها ضد عدو خارجي، أو ضد إرهاب داخلي. أو في معارك بناء هائلة كما فعلنا في معركة السد العالي وإقامة القلاع الصناعية الكبري. ولكن مشكلتنا كانت دائما ولأسباب مختلفة.. أن هذه اللحظات الرائعة في تاريخ الوطن تبقي لحظات استثنائية ولا تنتقل لتصبح أسلوب حياة هو وحده القادر علي قهر الصعاب التي نواجهها.
هذه المرة لا ينبغي أن نستمر بنفس الطريقة. ما أنجزه سبعون ألف عامل حفروا القناة الجديدة في عام ينبغي أن يكون إنجازا قابلا للتكرار علي الدوام، وأن يتحول إلي أسلوب عمل في كل المواقع. فنجد الالتزام واحترام قيمة العلم والعمل، والإحساس بأن كل إنجاز يتحقق هو قيمة مضافة لهذا الوطن، وأن كل جهد يبذل سيعود بالخير علي الجميع.. ثم الإيمان العميق بأنه لن يبني مصر التي نتمناها إلا المصريون، وأنهم قادرون علي ذلك.
إنجازنا الكبير في قناة السويس ينبغي أن يكون القاعدة وليس الاستثناء، وأن يكون البداية لإنجازات أكبر وأعظم في كل المجالات. وهذا هو التحدي الذي نواجهه، والذي لا مجال فيه إلا الانتصار علي كل التحديات لنبني مصر التي نتمناها ونصنع الحياة التي يستحقها أبناؤنا.