‎يقولون: «إن كنتَ مخلصـًا، فليكُن لك الإخلاص الذي يعرِف معني الوفاء.»؛ فالوفاء صفة من الصفات التي تكلل تاج الإنسانية في أسمي صورها. فهو التعبير الذي يُري منه صدق الإنسان في قوله وفعله علي حد سواء.
‎لذلك، فالإنسان الوفيّ هو من عرف معني الصدق والإخلاص في حياته حتي صارا من تلك المبادئ القوية التي لا تتزعزع في أعماقه. يقولون: «إن الأوفياء هم أناس ثابتون علي مبدإ الحق والصدق، وهم كالجبال: مهما طال الزمان بهم، فهم لا يتغيرون.». و«الوفاء» لُغويـًّا يعني الإخلاص: ففي «معجم المعاني الجامع»، نجد أن لفظة «وفاء» تعني: إخلاص، واعتراف بالجميل، وأمانة، وثبات ومحافظة علي العهد؛ وهي كلمة تُضادّ «الغدر». ويقال عن الإنسان الوفيّ أنه «معروف بِوفائه» أيْ «بِإِخلاصه وخُلقه الرفيعِ». و«الوفاء» هو أيضـًا المحافظة علي العهد والالتزام به. ومن مرادفات كلمة «وفَاء»: أَمانة، وإخلاص، واستقامة، وبِرّ، وتفانٍ، وصراحة، وصدق، وطاعة، وإخلاص؛ في حين من مرادفات كلمة عدم الوفاء: حِنْث، إخلاف، إخلال ، نَكْث. ويتعلم الإنسان الوفاء في الحياة من الله ـ تبارك اسمه ـ فهو إحدي صفاته، فيقول الكتاب: «وَنَادَي الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ...». وفي القرآن: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْماَلَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾. وهكذا يترسخ هذا المبدأ العظيم في حياة البشر وضمائرهم من خلال التعاليم والوصايا التي تنادي بها الأديان.
‎والإنسان الوفيّ يكون وفيـًّا تجاه الله، ونفسه، والآخرين.
‎الوفاء نحو الله
‎الله هو صانع الخيرات للإنسان، وهو الذي يهب له العطايا والخيرات في الحياة؛ لذلك فالإنسان الوفيّ يُدرك عطايا الله ونعمه ويشكره علي تلك الهبات؛ بل يستخدمها أيضـًا فيما وُهبت من أجله. فعلي سبيل المثال، عندما يهب الله للإنسان ذكاءً أو مكانة أو مالاً، فإن ذلك الشخص عليه أن يستخدم ما أُعطيَ من إمكانات في سبيل الخير والصلاح ومساعدة الإنسانية في التقدم نحو الرقيّ والبناء والإعمار، لا أن تُصبح وسائل للتدمير والهدم والشر. ووفاء الإنسان نحو الآخرين يتمثل في وفائه بالوُعود والعُهود، ووفاء بالتزاماته التي يؤتَمن عليها. ولا يقاس الوفاء بالكلمات بل بالعمل والمواقف التي تشهد للإنسان، كما إنه أيضـًا لا يُقاس بمدة زمنية ما بل بالاستمرار والثبات، في حضرة البشر أو غيابهم. وعدم وفاء الإنسان للآخرين يسبب لهم ألمـًا شديدًا وهذا ما جعل أحدهم يكتب قائلا: «كُن وفيـًّا: فشُعور الغدر والنُكران لا يُنسي.».
‎وتمتلئ الحياة بعديد من قِصص الوفاء التي لا تُنسي؛ مثل ذلك الزوج الذي كان يقترب من نهاية عَقده الثامن، وكان يحمل وفاءً عظيمـًا لزوجته التي أُصيبت بمرض «ألزهايمر»؛ فكان شديد الحرص علي تناول الإفطار معها كل يوم مع أنها لم تعُد تستطيع أن تعرفه! وحين سأله أحدهم عن سر حرصه هذا، أجاب: «هي لا تعرف من أنا، ولكني أنا أعرف من هي»، إنه الوفاء المحب الذي يكلل إنسانية البشر. فلا تنسَ، عزيزي، أنك إنسان.