‎كنهر النيل يبقي مستكينا هادئاً خامداً لكن حينما يثور فإنّه يحدث الطوفان .. لم تنم إرادة شعب مصر وإنّما كانت معصوبة العينين ومكتوفة اليدين، كسرت قيودها وحررت نفسها من ظلمة الخوف بعدما وصلها شعاعُ نورٍ من شمس الإرادة الشعبية التي بزغت لتطهر الوطن من براثن التعفن والاهتراء ليبدأ الشعب المصري مرحلة جديدة من تطهير الفساد .. هو تغير في المنهج.. وفي الأشخاص والنظام.
‎لقد تصارعت مختلف القوي السياسية في مصر بشتي الطرق المشروعة وغيرها علي الفوز بمقعد في مجلس النواب و أسدلت مصر الستار علي آخر استحقاقات «خارطة المستقبل»، بانتهاء عمليات التصويت في جولة الإعادة للمرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية ، لاختيار أعضاء أول مجلس للنواب في ظل الدستور الجديد وتُعد الانتخابات هي ثالث استحقاقات «خارطة المستقبل»، التي أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسي، حينما كان وزيراً للدفاع، بعد «عزل» الرئيس الأسبق، محمد مرسي، في الثالث من يوليو 2013، علي خلفية احتجاجات شعبية نادت برحيل نظام جماعة «الإخوان المسلمين.»
‎ثلاثة تيارات تباينت احجامها وتتضارب اهدافها الي درجة التناقض ..
‎تيار الاغلبية من الشعب المصري المتطلع لمستقبل افضل لهذا الوطن ويرفض العودة الي الماضي يرفض ان يعود الي فساد مبارك او مرحلة الاخوان لانها لا تصلح ان تكون اساسا لبناء مصر الحديثة التي طالما حلم بها المصريون والمتجسدة في شعار عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة انسانية
‎اما بقايا الاخوان وذيولها والجماعات الارهابية والمخدوعين بالشعارات الزائفة الذين يؤمنون بان الغاية تبرر الوسيلة فهم سبب رئيسي للارهاب وهم اضعف ما يكونون الان
‎وتبقي كتلة او تيار ثالث وهم الفلول من اتباع الحزب الوطني المنحل ومؤيدي المخلوع مبارك ونظامه الفاسد الذين مارسوا لعبة «الاستغماية .. التخفي وتغيير الجلد « والذين اطاح بهم الشعب في ثورته المجيدة في 25 يناير 2011 .... كتلة الفلول تروج لاكذوبة ان حكم الاخوان كان النتيجة الطبيعية للثورة علي نظام المخلوع ويتجاهلون الحقيقة ان الشعب ثار علي الاخوان .. هذه الكتلة الفاسدة تحاول الترويج لفكرة اعادة التاريخ الي الوراء ووجد الكثير منهم الجرأة والفجاجة والصفاقة لكي يطلوا علينا بوجوههم القبيحة مرة اخري .. وحاولوا بسخف وفجور ركوب الموجة والمزايدة علي ثورة 30يونيو .. وتصوروا بسذاجة ان لهم القدرة علي العودة بالتاريخ للوراء الا انهم لم يفهموا درس الماضي القريب .. ولفرط عماهم وجهلهم وغبائهم السياسي لم يدركوا ان الشعب قد نصب لهم فخا شديد القسوة واعد لهم درسا سيتجرعون مرارته بعد انعقاد الجلسات الاولي حيث ستنكشف اساليبهم الملتوية والاعيبهم المفضوحة تحت قبة البرلمان.
‎سيوجه الشعب لهم لطمة اخري تثبت ان مصر قد استيقظت من نومها العميق علي مدار سنوات الفساد المتمثلة في دولة المخلوع التي انهارت علي رؤوسهم ودولة الاخوان التي ضاعت من بين ايديهم واقتنصتها يد الشعب المصري بقوة وستحافظ عليها هيهات ان تعود مصر الي عصور القهر والظلم والاستبداد والفساد المرير وضياع الحقوق
‎لقد عرف الشعب طريقه نحو «استعادة الديمقراطية»، و»إعادة الاستقرار السياسي» في الدولة التي شهدت اضطرابات سياسية وأمنية واسعة، أدت إلي تراجعات اقتصادية حادة، منذ «ثورة» 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام المخلوع الفاسد مبارك
‎لقد تحطم جدار الخوف النفسي الذي كان يفصل بين المواطن وحقوقه في الوطن، ومن ثمّ إعادة الإعتبار لدور الناس في عمليات التغيير المطلوبة بالمجتمعات بعدما كانت في السابق حكراً إمّا علي المؤسسات العسكرية أو المراهنة علي التدخّل الخارجي.
‎ان الثورات وحركات التغيير ليست هدمَ ما هو موجود فقط بل هي بناءٌ لما هو مطلوب، وهذا يعني عملياً ضرورة الربط والتلازم بين الفكر والقيادة والأسلوب.
‎إنّ الديمقراطية هي وجهٌ من وجهي الحرّية، وهي صيغة حكم مطلوبة في التعامل بين أبناء البلد الواحد، لكنّها ليست بديلة عن وجه الحرّية الآخر، أي حرّية الوطن وأرضه فمعيار التغيير الإيجابي المطلوب في مصر هو مدي تحقيق شعارات الثورة. عيش.. حرية عدالة اجتماعية