المستقبل عند فتحي الشاذلي متداخل بين ما يمكن أن نفرح به وما قد يسبب بعض الآلام لنا. لكن أهمية ورقته أنه يوقظ لدينا نحن أهل مصر القدرة علي الحلم

دعتني الدكتورة حنان السعيد، أستاذة الأدب الإنجليزي بكلية بنات عين شمس، ومديرة مركز خدمة المجتمع بالجامعة لحضور لقاء مع طلاب الجامعة. لبَّيتُ الدعوة مُرحِّباً.
في مسرح كبير كان يجلس معنا الدكتور حسين محمد عيسي، رئيس الجامعة. الذي يحب الأدب والصحافة بشكل يثير دهشتي. وما من مرة أقابله إلا أستمع منه لآراء في الصحف المصرية. فالرجل قارئ للصحافة وبالذات صحافة المجلات. وفي هذا اليوم حدثني عن ثورة تحريرية في مجلة المصور، ورئيس تحريرها غالي محمد، والمجموعة الصحفية الشابة التي تعمل معه. قال لي إنه يحرص علي قراءتها. ووصف موقف المجلة من الراهن في مصر بوصوله إلي سن الجبل. فقد أبدعوا موقفاً سياسياً إزاء مصر لا يمكن لمطبوعة أخري أن تقترب منه.
كان معنا الدكتور عبد الوهاب محمد عزت، نائب رئيس الجامعة لشئون المجتمع والبيئة، الذي اختلف معي عندما تحدثت عن الوضع الثقافي المصري الآن. فاعتبر أن عرض ليلة من ألف ليلة من بطولة يحيي الفخراني دليل علي نهضة مسرحية ضخمة. ثم اختلف معي عندما تحدثت عن غياب الدولة عن الإنتاج السينمائي. وقال إن السينما في أمريكا ينتجها القطاع الخاص. ولا دخل للدولة في ذلك.
لكن الأجمل كانا من تحدثا قبلي. السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب. والسفير فتحي الشاذلي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، سفير مصر سابقاً بالمملكة العربية السعودية وتركيا، والمستشار بوزارة التعاون الدولي الآن. كان معنا أيضاً اللواء أحمد عبد الحليم الذي أسرني كثيراً أنه جاء مستمعاً. بعد أن غسل نفسه من نرجسية النخبة. فمعظمهم لا يذهب إلي ندوة من الندوات إن لم يكن متحدثاً. وقد جلس الرجل منصتاً في تواضع أحسده عليه.
كان موضوع اللقاء مع الطلبة حول مستقبل مصر السياسي والاقتصادي والثقافي. وعندما جاء دوري في الكلام عبَّرت عن رغبتي في أن أستمع لطلاب الجامعة أكثر مما أتكلم. لأنني تربيت في زمن الستينيات عندما كنا نقول عن الشباب انهم نصف الحاضر ولكنهم كل المستقبل. وبالتالي فإن الاستماع للشباب أهم ألف مرة من أن نأتي لنتحدث وهم يستمعون إلينا. حتي تساؤلات الشباب التي أعقبت كلماتنا قُدِّمت مكتوبة وألقاها منسق الندوة. وكنت أتمني الاستماع لنبرات أصواتهم وهم يتكلمون في مواجهة رئيس جامعتهم وأساتذتهم لأن الجامعة هي البرلمان الأول في حياة الإنسان. ومن يمارس ديمقراطيته فيها يصبح لديَّ يقين أنه يمكن أن يلجأ لهذه الديمقراطية في مراحل متقدمة من عمره.
السفير جمال بيومي متفائل بطبعه. يري الدنيا من خلال منظار وردي. وأنا أكتب هذا معجباً بقدرته علي التفاؤل. فالتفاؤل في أيامنا هذه بطولة من نوع ما. لأن الرجل يحاول أن يأخذ من مكونات الواقع أفضل ما فيه. وأن يتغاضي عن السلبيات. أو ما أتصور أنه مشكلات راهنة قد تعوق طريقنا إلي المستقبل. والأوراق التي أحضرها معه مليئة بالجداول والأرقام والإحصائيات وكلمته يمكن أن يلخصها الإنسان في عبارة شعرية تقول أن أجمل الأيام في عمر مصر هي التي لم نعشها بعد.
أما السفير فتحي الشاذلي. فرغم إصابة يده اليسري ووضعها في رباط ضاغط ووضعها معلقة طول الوقت. فقد جاء بورقة مطبوعة علي أوراق خضراء اللون. قرأها وكان عنوانها: مصر 2030، أي أنه يقفز في الزمان بنا نحو المستقبل خمسة عشر عاماًش. وهي فترة زمنية طويلة أعتقد أن الحلم بها ربما كان أطول مما ينبغي.
المستقبل عند فتحي الشاذلي متداخل بين ما يمكن أن نفرح به وما قد يسبب بعض الآلام لنا. لكن أهمية ورقته أنه يوقظ لدينا نحن أهل مصر القدرة علي الحلم. فربما كان الجحيم المصري الآن متمثلاً في فقدان القدرة علي الحلم. لأن الشعوب عندما لا تحلم بمستقبل أفضل. فإن هذا يجعلها تتوه في هموم الحاضر ومشاكله التي ربما تصورت أنها لا مخرج منها.
يتحدث عن ظاهرة البناء علي الأراضي الزراعية. ولذلك فإن صورة المعمور المصري ستختلف عن صورتها الراهنة. وستتراجع مساحة الأراضي الزراعية في الريف. فنصيب مصر المائي سيقل. وكذلك لا بد من اتباع منهجية شاملة لصيانة أمن مصر المائي من خلال ترشيد منظومة الري. وإعادة النظر في التركيبة المحصولية في البلاد.
لعل أطرف ما قاله أن المنظومة الدينية في حياتنا تُعد محوراً للشخصية القومية. فاللص عندنا عندما يبدأ غزوته الليلية. يسأل المولي أن يسترها معه. وقال انه سيكون في مصر أحزاب سياسية أقل عدداً وأقوي عوداً وأقرب للناس من التشكيلات الصورية التي زحمت حياتنا.